الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق السابع والخمسون بين قاعدة تداخل الأسباب وبين قاعدة تساقطها )

اعلم أن التداخل والتساقط بين الأسباب قد استويا في أن الحكم لا يترتب على السبب الذي دخل في غيره ولا على السبب الذي سقط بغيره فهذا هو وجه الجمع بين القاعدتين والفرق بينهما أن التداخل بين الأسباب معناه أن يوجد سببان مسببهما واحد فيترتب عليهما مسبب واحد مع أن كل واحد منهما يقتضي مسببا من ذلك النوع ومقتضى القياس أن يترتب من ذلك النوع مسببان وقد وقع الأول في كثير من الصور والثاني أيضا واقع في الشريعة وهو الأكثر أما التداخل الذي هو أقل فقد وقع في الشريعة في ستة أبواب :

الأول : الطهارات كالوضوء والغسل إذا تكررت أسبابهما المختلفة كالحيض والجنابة أو المتماثلة كالجنابتين والملامستين في الوضوء فإنه يجزئ وضوء واحد وغسل واحد ودخل أحد السببين في الآخر فلم يظهر له أثر وكالوضوء مع الغسل فإن سبب الوضوء الذي هو الملامسة اندرج في الجنابة فلم يترتب عليه وجوب وضوء وأجزأه الغسل ، الثاني : الصلوات كتداخل تحية المسجد مع صلاة الفرض مع تعدد سببهما فيدخل دخول المسجد الذي هو سبب التحية في الزوال الذي هو سبب الظهر مثلا فيقوم سبب الزوال مقام سبب الدخول فيكتفى به ، الثالث : الصيام كصيام رمضان مع صيام الاعتكاف ، فإن الاعتكاف سبب لتوجه الأمر بالصوم ورؤية هلال رمضان سبب توجه الأمر بصوم رمضان فيدخل سبب الاعتكاف في سبب رؤية الهلال ويتداخل الاعتكاف ورؤية الهلال .

الرابع : الكفارات في الأيمان على المشهور في حل الأيمان على التكرار دون الإنشاء بخلاف تكرار الطلاق يحمل على الإنشاء حتى يريد التكرار وفي كفارة إفساد رمضان إذا تكرر الوطء منه في اليوم الواحد عندنا على الخلاف وعند أبي حنيفة في اليومين وله [ ص: 30 ] قولان في الرمضانين ، الخامس : الحدود المتماثلة وإن اختلفت أسبابها كالقذف وشرب الخمر أو تماثلت كالزنى مرارا والسرقة مرارا والشرب مرارا قبل إقامة الحد عليه وهي من أولى الأسباب بالتداخل ؛ لأن تكررها مهلك ، السادس : الأموال كالواطئ بالشبهة المتحدة إذا تكرر الوطء فإن كل وطأة لو انفردت أوجبت مهرا تاما من صداق المثل ولا يجب في ذلك إلا صداق واحد وكدية الأطراف مع النفس فإنه إذا قطع أطرافه وسرى ذلك لنفسه اكتفى صاحب الشرع بدية واحدة للنفس مع أن الواجب قبل السريان نحو عشر ديات بحسب تعدد العضو المجني عليه ومع ذلك يسقط الجميع ولا يلزم إلا دية واحدة تفريع على هذا قد يدخل القليل مع الكثير كدية الأصبع مع النفس والكثير مع القليل كدية الأطراف مع النفس والمتقدم مع المتأخر كحدث الوضوء مع الجنابة والمتأخر مع المتقدم كالوطآت المتأخرة مع الوطأة المتقدمة الأولى .

وموجبات أسباب الوضوء والغسل مع اندراجه في الموجب الأول والطرفان في وسط كاندراج الوطأة الأولى والآخرة في وطء الشبهة فإنها قد توطأ أولا وهي مريضة الجسم عديمة المال ثم تصح وترث مالا عظيما ثم تسقم في جسمها ويذهب مالها وهي توطأ في تلك الأحوال كلها بشبهة واحدة فإنها يجب لها عند الشافعي صداق المثل في أعظم أحوالها وأعظم أحوالها في هذه الصورة الحالة الوسطى فيجب الصداق باعتبارها وتدخل فيها الحالة الأولى والحالة الأخيرة فيندرج الطرفان في الوسط وهذا المثال إنما يجب على مذهب الشافعي وأما على مذهب مالك فإنما يعتبر الوطأة الأولى كيف كانت وكيف صادفت ويندرج ما بعدها فيها وتكون عنده من باب اندراج المتأخر في المتقدم لا من باب اندراج الطرفين في الوسط .

وأما القسم الذي هو أكثر في الشريعة وهو عدم التداخل مع تماثل الأسباب فكالإتلافين يجب بهما ضمانان ولا يتداخلان وكالطلاقين يتعدد أثرهما ولا يتداخلان بل ينقص كل طلاق من العصمة طلقة إلا أن ينوي التأكيد أو الخبر عن الأول والزوالين فإنهما يوجبان ظهرين وكذلك بقية أوقات الصلوات وأسبابها وكالنذرين يتعدد منذورهما ولا يتداخل وكالوصيتين بلفظ واحد لشخص واحد فإنه يتعدد له الموصى به على الخلاف وكالسببين لرجل واحد أو رجلين بمعنى واحد أو مختلف فإنه يوجب تعدد التعزير والمؤاخذة وكما لو استأجر منه شهرا ثم استأجر منه شهرا ولم يعين فإنه يحمل على شهرين وكما لو اشترى منه صاعا من هذه الصبرة ثم اشترى منه صاعا من هذه الصبرة فإنه يحمل على صاعين وهو كثير جدا في الشريعة ، الأصل أن يترتب على كل سبب مسببه ، والتداخل على خلاف الأصل .

وأما تساقط الأسباب فإنما يكون عند التعارض وتنافي المسببات بأن يكون أحد السببين يقتضي شيئا والآخر يقتضي ضده فيقدم صاحب الشرع الراجح منهما على المرجوح فيسقط المرجوح أو يستويان [ ص: 31 ] فيتساقطان معا هذا هو ضابط هذا القسم وهو قسمان : تارة يقع الاختلاف في جميع الأحكام وتارة في البعض .

أما القسم الأول وهو التنافي في جميع الأحكام فكالردة مع الإسلام والقتل والكفر مع القرابة الموجبة للميراث فإنهما يقتضيان عدم الإرث وكالدين مسقط للزكاة وأسبابها توجبها ، وكالبينتين إذا تعارضتا أو الأصلين إذا قطع رجل ملفوف في الثياب فتنازع هو والولي في كونه كان حيا حالة الجناية فالأصل بقاء الحياة والأصل أيضا عدم وجوب القصاص والغالبين وهما الظاهران كاختلاف الزوجين في متاع البيت فإن اليد للرجل ظاهرة في الملك وكون المدعي فيه من قماش النساء دون الرجال ظاهر في كونه للمرأة دون الرجل فقدمنا نحن هذا الظاهر وسوى الشافعي بينهما بناء على أن لهما معا يدا وهي ظاهرة في الملك ومالك يقول اليد خالصة بالرجل ؛ لأنه صاحب المنزل .

وكذلك إذا كان المتاع يصلح لهما قدم ملك الرجل فيه بناء على اختصاصه باليد وكالمنفردي ن برؤية الهلال والسماء مصحية والمصر كبير قدم ملك ظاهر العدالة ، وقدم سحنون ظاهر الحال وقال الظاهر كذبهما ؛ لأن العدد العظيم مع ارتفاع الموانع يقتضي أن يراه جمع عظيم فانفراد هذين دليل كذبهما ولم يوجب الصوم بشهادتهما ، والأصل والظاهر كالمقبرة المنبوشة الأصل عدم النجاسة والظاهر عدم وجودها بسبب النبش فهذه الأقسام كلها متنافية من جميع الوجوه في مسبباتها .

وأما التساقط بسبب التنافي في بعض الوجوه وفي بعض الأحكام كالنكاح مع الملك إذا عقد على أمته فإن النكاح يوجب إباحة الوطء والملك يوجب مع ذلك ملك الرقبة والمنافع فسقط النكاح تغليبا للملك بسبب قوته وتكون الإباحة الحاصلة مضافة للملك فقط ولا يحصل تداخل فلا يقال هي مضافة لهما ألبتة وكما إذا اشترى امرأته وصيرها أمته فإن النكاح السابق يقتضي الإباحة وكذلك الشراء اللاحق يقتضي الإباحة مع بقية آثار الملك فأسقط الشرع النكاح السابق بالملك اللاحق عكس القسم الأول فإن الأول قدم فيه السابق وهذا قدم فيه اللاحق .

والفرق أن الملك أقوى من النكاح لاشتماله على إباحة الوطء وغيره فلما كان أقوى قدمه صاحب الشرع سابقا ولاحقا ولاحظنا أن السابق يقدم بحصوله في المحل وسبقه وإلا لاندفع الشراء عن الزوجة وبقيت زوجة وبطل البيع لكن السر ما ذكرته لك ، ومن ذلك علم الحاكم مع البينة إذا شهدت بما يعلمه فإن الحكم مضاف للبينة دون علمه عند مالك والقضاء بالعلم ساقط حذرا من القضاة السوء وسدا لذريعة الفساد على الحكم بالتهم وعلى الناس بالقضاء عليهم بالباطل وعند الشافعي علمه مقدم على البينة ؛ لأن البينة لا تفيد إلا الظن والعلم أولى من الظن ويحتمل مذهبه أنه يجمع بينهما ويجعل الحكم مضافا إليهما لعدم التنافي بينهما ومن ذلك من وجد في حقه سببان [ ص: 32 ] للتوريث بالفرض في أنكحة المجوس فإنه يرث بأقواهما ويسقط الآخر مع أن كليهما يقتضي الإرث كالابن إذا كان أخا لأم كما إذا تزوج أمه فولدها حينئذ ابنه وهو أخوه لأمه فإنه يرث بالبنوة وتسقط الأخوة أما إن كانا سببين الفرض والتعصيب فإنه يرث بهما كالزوج ابن عم يأخذ النصف بالزوجية والنصف الآخر بكونه ابن عم فهذه مثل ومسائل توجب الفرق بين قاعدة تداخل الأسباب وتساقطها على اختلاف التداخل والتساقط .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

[ ص: 28 - 29 ] وما قاله في الفرق السابع والخمسين صحيح .

.


حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق السابع والخمسون بين قاعدة تداخل الأسباب وبين قاعدة تساقطها )

التداخل والتساقط بين الأسباب وإن اتفقا في جهتين : أحدهما : أن الحكم لا يترتب على السبب الذي دخل في غيره ولا على السبب الذي سقط بغيره ، وثانيهما : جريان كل منهما على خلاف الأصل إلا أنهما تفارقا في جهات :

الجهة الأولى : أن تساقط الأسباب إنما يكون عند التعارض وتنافي المسببات بأن يكون أحد السببين يقتضي شيئا والآخر يقتضي ضده فيقدم صاحب الشرع الراجح منهما على المرجوح فيسقط المرجوح أو يستويان فيتساقطان معا وتداخلها إنما يكون عند اتحاد مسببها بأن يوجد سببان مسببهما واحد .

الجهة الثانية : أن التداخل جرى على خلاف الأصل في اتحاد المسبب والتساقط جرى على خلاف الأصل في تنافي المسببات ؛ إذ الأصل [ ص: 38 ] والقياس عدم التداخل مع تماثل الأسباب بأن يترتب على كل سبب مسببه .

الجهة الثالثة : أن التداخل وقع في الشريعة في ستة أبواب :

الأول : الطهارة فمن التداخل فيه إجزاء غسل واحد مع تعدد أسبابه المختلفة كالحيض والجنابة أو المتماثلة كالجنابتين ومنه إجزاء وضوء واحد مع تعدد أسبابه المتماثلة كالملامستين أو المختلفة كالملامسة وإخراج الريح ، ومنه إجزاء الغسل عن الوضوء وإن تحقق سببه الذي هو الملامسة مع سبب الغسل الذي هو الجنابة لاندراج سببه في الجنابة فلم يترتب عليه وجوب وضوء .

الثاني : الصلوات فمن التداخل فيها تداخل تحية المسجد في صلاة الفرض مع تعدد سببيهما فيدخل دخول المسجد الذي هو سبب التحية في الزوال الذي هو سبب الظهر مثلا فيقوم سبب الزوال مقام سبب الدخول فيكتفى به .

الثالث : الصيام فمن التداخل فيه تداخل الصوم الذي سببه الاعتكاف في صوم رمضان الذي سببه رؤية الهلال فيقوم سبب الرؤية مقام سبب الاعتكاف فيكتفى به .

الرابع : الكفارات فمن التداخل فيه حمل الأيمان في المشهور على التكرار لا على الإنشاء فتكفيه كفارة واحدة ومنه تكرار الوطء في اليوم الواحد من رمضان عندنا على الخلاف وفي اليومين عند أبي حنيفة تكفيه كفارة واحدة وله قولان في الرمضانين .

الخامس : الحدود المتماثلة فمن التداخل فيه تداخل أسبابها المختلفة كالقذف وشرب الخمر أو المتماثلة كالزنا مرارا والسرقة مرارا والشرب مرارا قبل إقامة الحد عليه وهي من أولى الأسباب بالتداخل ؛ لأن تكررها مهلك .

السادس : الأموال فمن التداخل فيها أنه لا يجب في تكرار وطء الشبهة المتحدة إلا صداق واحد من صداق المثل ، وإن كانت كل وطأة لو انفردت أوجبت مهرا تاما من صداق المثل ومنه اكتفاء صاحب الشرع فيما إذا قطع أطرافه وسرى ذلك لنفسه بدية واحدة للنفس وإن كان الواجب قبل السريان نحو عشر ديات بحسب تعدد العضو المجني عليه فدخل في هذه المسألة الكثير وهو دية الأطراف في القليل وهو دية النفس ، وقد يدخل القليل كدية الأصبع في الكثير كدية النفس

( تنبيه ) :

لا يتنافى عندنا في التداخل إلا أربع صور : أحدها دخول القليل في الكثير . وثانيها : دخول الكثير في القليل وقد مرت مثلهما . وثالثها : [ ص: 39 ] دخول المتقدم في المتأخر كحدث الوضوء المتقدم مع الجنابة المتأخرة . ورابعها : دخول المتأخر في المتقدم كالوطآت المتأخرة مع الوطأة المتقدمة الأولى ، وأسباب الوضوء أو الغسل المتأخرة في الموجب الأول منها ، وعند الشافعية تزيد صورة خامسة وهي دخول الطرفان في الوسط فيما إذا وطئت المرأة بالشبهة الواحدة أولا وهي مريضة الجسم عديمة المال ، وثانيا : بعد أن صحت وورثت مالا عظيما وثالثا بعد سقم جسمها وذهاب مالها فإنها عندهم يجب لها صداق المثل في أعظم أحوالها وأعظم أحوالها في هذه الصورة الحالة الوسطى فيجب الصداق باعتبارها وتدخل فيها الحالة الأولى والحالة الأخيرة فيندرج الطرفان في الوسط ولا يعتبر على مذهب مالك في هذا المثال إلا الوطأة الأولى كيف كانت وكيف صادفت ؟ ويندرج ما بعدها فيها فهذه الصورة عنده من باب اندراج المتأخر في المتقدم لا من باب اندراج الطرفين في الوسط .

وأما التساقط فإما أن يكون بسبب التنافي في جميع الوجوه وجميع الأحكام وله مثل منها الردة مع الإسلام ومنها القتل والكفر يقتضيان عدم الإرث والقرابة تقتضي الإرث ومنها الدين مسقط للزكاة وأسبابها توجبها ، ومنها تعارض البينتين ومنها تعارض الأصلين فيما إذا قطع رجل ملفوف في الثياب فتنازع القاطع والولي في كونه كان حيا حالة الجناية فالأصل بقاء الحياة والأصل أيضا عدم وجوب القصاص ومنها تعارض الغالبين الظاهرين في بحث اختلاف الزوجين في متاع البيت فإن اليد للرجل ظاهرة في الملك فإذا كان المدعي فيه من قماش النساء دون الرجال وكان ظاهرا في كونه للمرأة دون الرجل قدمنا نحن هذا الظاهر وسوى الشافعي بينهما بناء على أن لهما معا يدا وهي ظاهرة في الملك واليد عند مالك خاصة بالرجل ؛ لأنه صاحب المنزل وإذا كان يصلح لهما قدم ملك الرجل فيه بناء على اختصاصه باليد ونحو المنفردين برؤية الهلال والسماء مصحية والمصر كبير فمالك قدم ظاهر العدالة وسحنون قدم ظاهر الحال ولم يوجب الصوم بشهادتهما وقال : الظاهر كذبهما ؛ لأن العدد العظيم مع ارتفاع الموانع يقتضي أن يراه جمع عظيم فانفراد هذين دليل كذبهما .

ومنها تعارض الأصل والظاهر في نحو المقبرة المنبوشة فإن الأصل عدم النجاسة والظاهر وجودها بسبب النبش قلت ومنها ما قدمته عن كتاب [ ص: 40 ] الأحكام للإمام ابن العربي من تعارض العموم في خصوص العين في قوله تعالى في دم الحيض بل هو أذى والعموم في خصوص الحال في قوله تعالى { أو دما مسفوحا } فيترجح الأول ويكون قليل دم الحيض وكثيره سواء في التحريم كما رواه أبو ثابت عن ابن القاسم وابن وهب وابن سيرين عن مالك على الثاني الذي تمسك به بعض علمائنا فقال : يعفى عن قليله كسائر الدماء ؛ لأن حال العين أرجح من حال الحال ، وإما أن يكون أي التساقط بسبب التنافي في بعض الوجوه وفي بعض الأحكام وله مسائل منها اقتضاء النكاح مع الملك إباحة الوطء فيغلب الأقوى وهو الملك ؛ لأنه مع كونه يوجب إباحة الوطء كالنكاح يوجب ملك الرقبة والمنافع وتكون الإباحة الحاصلة مضافة له فقط ويسقط النكاح ولا يحصل تداخل فلا يقال الإباحة مضافة لهما ألبتة سواء تقدم الملك كما إذا عقد على أمته أو تأخر كما إذا اشترى زوجته وصيرها أمته ، ومنها علم الحاكم مع البينة إذا شهدت بما يعلمه فإن الحكم يضاف للبينة دون علمه فيسقط القضاء به عند مالك حذرا من القضاة السوء وسدا لذريعة الفساد على الحكام بالتهم وعلى الناس بالقضاء عليهم بالباطل .

وعند الشافعي يقدم القضاء بعلمه على القضاء بالبينة ؛ لأن البينة لا تفيد إلا الظن والعلم أولى من الظن ويحتمل مذهبه أنه يجمع بينهما ويجعل الحكم مضافا إليهما لعدم التنافي بينهما ومنها من وجد في حقه سببا توريث بالفرض في أنكحة المجوس فإنه يرث بأقواهما ويسقط الآخر مع أن كليهما يقتضي الإرث كالابن إذا كان أخا لأم كما إذا تزوج أمه فولدها حينئذ ابنه وهو أخوه لأمه فيرث بالبنوة وتسقط الأخوة ، أما إن كانا سببين للتوريث بالفرض والتعصيب فإنه يرث بها كالزوج ابن عم يأخذ النصف بالزوجية والنصف الآخر بكونه ابن عم .

( تنبيه ) عدم تداخل الأسباب مع تماثلها الجاري على مقتضى القياس والأصل من أن يترتب على كل سبب مسببه هو الأكثر في الشريعة فمن مسائله الإتلافان يجب بهما ضمانان ولا يتداخلان ، ومنها الطلاقان ينقص كل طلاق منهما من العصمة طلقة ولا يتداخلان إلا أن ينوي التأكيد أو الخبر عن الأول ، ومنها الزوالان يوجبان ظهرين وكذلك بقية أوقات الصلوات وأسبابها ومنها النذران يتعدد منذورهما ولا يتداخل ومنها الوصيتان [ ص: 41 ] بلفظ واحد لشخص واحد فإنه يتعدد له الموصى به على الخلاف ومنها القذفات لرجل واحد أو رجلين بمعنى واحد أو مختلف فإنه يوجب تعدد التعزير والمؤاخذة ومنها ما إذا استأجر منه شهرا ثم استأجر منه شهرا ولم يعين فإنه يحمل على شهرين ومنها ما إذا اشترى منه صاعا من هذه الصبرة ثم اشترى منه صاعا من هذه الصبرة فإنه يحمل على صاعين ومنها غير ذلك مما هو كثير جدا في الشريعة والله أعلم .




الخدمات العلمية