[ ص: 321 ] كتاب ذكر الموت وما بعده
nindex.php?page=treesubj&link=1969فضل ذكر الموت :
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004704أكثروا من ذكر هاذم اللذات "وعنه صلوات الله عليه : "
أكثروا من ذكر الموت فإنه يمحص الذنوب ويزهد في الدنيا " وعنه عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004706كفى بالموت واعظا " وعنه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004707أكيس الناس أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم استعدادا له أولئك هم الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة " .
وعن "
nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف بن عبد الله " قال : " إن هذا الموت قد نغص على أهل النعيم نعيمهم فاطلبوا نعيما لا موت فيه " .
واعلم أن المنهمك في الدنيا المكب على غرورها المحب لشهواتها يغفل قلبه لا محالة عن ذكر الموت فلا يذكره ، وإذا ذكر به كرهه ونفر منه ، أولئك هم الذين قال الله فيهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=8قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ) [ الجمعة : 8 ] . ثم الناس إما منهمك وإما تائب مبتدئ وإما عارف منته .
أما المنهمك فلا يذكر الموت ، وإن ذكره فيذكره للتأسف على دنياه ويشتغل بمذمته ، وهذا يزيده ذكر الموت من الله بعدا .
وأما التائب فإنه يكثر من ذكر الموت لينبعث به من قلبه الخوف والخشية فيفي بتمام التوبة .
وأما العارف فإنه يذكر الموت دائما لأنه موعد للقائه لحبيبه ، والمحب لا ينسى قط موعد لقاء الحبيب .
ثم إن أنجع طريق في ذكر الموت أن يكثر ذكر أشكاله وأقرانه الذين مضوا قبله ، فيتذكر موتهم ومصارعهم تحت التراب ، ويتذكر صورهم في مناصبهم وأحوالهم ، ويتأمل كيف محا التراب الآن حسن صورهم وكيف تبددت أجزاؤهم في قبورهم وخلت منهم مساجدهم
[ ص: 322 ] ومجالسهم وانقطعت آثارهم ، وأنه مثلهم وستكون عاقبته كعاقبتهم . فملازمة هذه الأفكار مع دخول المقابر ومشاهدة المرضى هو الذي يجدد ذكر الموت في القلب فيستعد له ويتجافى عن دار الغرور ، ومهما طاب قلبه بشيء من الدنيا ينبغي أن يتذكر في الحال أنه لا بد من مفارقته .
نظر "
ابن مطيع " ذات يوم إلى داره فأعجبه حسنها ثم بكى فقال : " والله لولا الموت لكنت بك مسرورا ، ولولا ما نصير إليه من ضيق القبور لقرت بالدنيا أعيننا " ثم بكى رحمه الله تعالى .
[ ص: 321 ] كِتَابُ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ
nindex.php?page=treesubj&link=1969فَضْلُ ذِكْرِ الْمَوْتِ :
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004704أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ "وَعَنْهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : "
أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ يُمَحِّصُ الذُّنُوبَ وَيُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا " وَعَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004706كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظًا " وَعَنْهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004707أَكْيَسُ النَّاسِ أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ وَأَشَدُّهُمُ اسْتِعْدَادًا لَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْأَكْيَاسُ ذَهَبُوا بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَكَرَامَةِ الْآخِرَةِ " .
وَعَنْ "
nindex.php?page=showalam&ids=17098مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " قَالَ : " إِنَّ هَذَا الْمَوْتَ قَدْ نَغَّصَ عَلَى أَهْلِ النَّعِيمِ نَعِيمَهُمْ فَاطْلُبُوا نَعِيمًا لَا مَوْتَ فِيهِ " .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُنْهَمِكَ فِي الدُّنْيَا الْمُكِبَّ عَلَى غُرُورِهَا الْمُحِبَّ لِشَهَوَاتِهَا يَغْفُلُ قَلْبُهُ لَا مَحَالَةَ عَنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ فَلَا يَذْكُرُهُ ، وَإِذَا ذُكِّرَ بِهِ كَرِهَهُ وَنَفَرَ مِنْهُ ، أُولَئِكَ هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=8قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) [ الْجُمُعَةِ : 8 ] . ثُمَّ النَّاسُ إِمَّا مُنْهَمِكٌ وَإِمَّا تَائِبٌ مُبْتَدِئٌ وَإِمَّا عَارِفٌ مُنْتَهٍ .
أَمَّا الْمُنْهَمِكُ فَلَا يَذْكُرُ الْمَوْتَ ، وَإِنْ ذَكَرَهُ فَيَذْكُرُهُ لِلتَّأَسُّفِ عَلَى دُنْيَاهُ وَيَشْتَغِلُ بِمَذِمَّتِهِ ، وَهَذَا يَزِيدُهُ ذِكْرُ الْمَوْتِ مِنَ اللَّهِ بُعْدًا .
وَأَمَّا التَّائِبُ فَإِنَّهُ يُكْثِرُ مَنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ لِيَنْبَعِثَ بِهِ مِنْ قَلْبِهِ الْخَوْفُ وَالْخَشْيَةُ فَيَفِيَ بِتَمَامِ التَّوْبَةِ .
وَأَمَّا الْعَارِفُ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ الْمَوْتَ دَائِمًا لِأَنَّهُ مَوْعِدٌ لِلِقَائِهِ لِحَبِيبِهِ ، وَالْمُحِبُّ لَا يَنْسَى قَطُّ مَوْعِدَ لِقَاءِ الْحَبِيبِ .
ثُمَّ إِنَّ أَنْجَعَ طَرِيقٍ فِي ذِكْرِ الْمَوْتِ أَنْ يُكْثِرَ ذِكْرَ أَشْكَالِهِ وَأَقْرَانِهِ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَهُ ، فَيَتَذَكَّرَ مَوْتَهُمْ وَمَصَارِعَهُمْ تَحْتَ التُّرَابِ ، وَيَتَذَكَّرَ صُوَرَهُمْ فِي مَنَاصِبِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ ، وَيَتَأَمَّلَ كَيْفَ مَحَا التُّرَابُ الْآنَ حُسْنَ صُوَرِهِمْ وَكَيْفَ تَبَدَّدَتْ أَجَزَاؤُهُمْ فِي قُبُورِهِمْ وَخَلَتْ مِنْهُمْ مَسَاجِدُهُمْ
[ ص: 322 ] وَمَجَالِسُهُمْ وَانْقَطَعَتْ آثَارُهُمْ ، وَأَنَّهُ مِثْلُهُمْ وَسَتَكُونُ عَاقِبَتُهُ كَعَاقِبَتِهِمْ . فَمُلَازَمَةُ هَذِهِ الْأَفْكَارِ مَعَ دُخُولِ الْمَقَابِرِ وَمُشَاهَدَةِ الْمَرْضَى هُوَ الَّذِي يُجَدِّدُ ذِكْرَ الْمَوْتِ فِي الْقَلْبِ فَيَسْتَعِدُّ لَهُ وَيَتَجَافَى عَنْ دَارِ الْغُرُورِ ، وَمَهْمَا طَابَ قَلْبُهُ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَذَكَّرَ فِي الْحَالِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُفَارَقَتِهِ .
نَظَرَ "
ابن مطيع " ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى دَارِهِ فَأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا ثُمَّ بَكَى فَقَالَ : " وَاللَّهِ لَوْلَا الْمَوْتُ لَكُنْتُ بِكِ مَسْرُورًا ، وَلَوْلَا مَا نَصِيرُ إِلَيْهِ مِنْ ضِيقِ الْقُبُورِ لَقَرَّتْ بِالدُّنْيَا أَعْيُنُنَا " ثُمَّ بَكَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .