الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب من يحرم الميراث مع وجود النسب قال أبو بكر : لا خلاف بين المسلمين أن قوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم وما عطف عليه من قسمة الميراث خاص في بعض المذكورين دون بعض ، فبعض ذلك متفق عليه وبعضه مختلف فيه ، فما اتفق عليه أن الكافر لا يرث المسلم وأن العبد لا يرث وأن قاتل العمد لا يرث ؛ وقد بينا ميراث هؤلاء في سورة البقرة ما أجمعوا عليه منه وما اختلفوا فيه . واختلف في ميراث المسلم من الكافر وميراث المرتد ، فأما ميراث المسلم من الكافر فإن الأئمة من الصحابة متفقون على نفي التوارث بينهما ، وهو قول عامة التابعين وفقهاء الأمصار .

وروى شعبة عن عمرو بن أبي حكيم عن ابن باباه عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الدؤلي قال : كان معاذ بن جبل باليمن فارتفعوا إليه في يهودي مات وترك أخاه مسلما ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الإسلام يزيد ولا ينقص .

وروى ابن شهاب عن داود بن أبي هند قال : قال مسروق : ما أحدث في الإسلام قضية أعجب من قضية قضاها معاوية قال : كان يورث المسلم من اليهودي والنصراني ولا يورث اليهودي والنصراني من المسلم ، قال : فقضى بها أهل الشام ؛ قال داود : فلما قدم عمر بن عبد العزيز ردهم إلى الأمر الأول .

وروى هشيم عن مجالد عن الشعبي : أن معاوية كتب بذلك إلى زياد يعني توريث المسلم من الكافر فأرسل زياد إلى شريح فأمره بذلك ، وكان شريح قبل ذلك لا يورث المسلم من الكافر ، فلما أمره زياد بما أمره قضى بقوله ، فكان شريح إذا قضى بذلك قال : هذا قضاء أمير المؤمنين .

وقد روى الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يتوارث أهل ملتين شتى وفي لفظ : لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم .

وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يتوارث أهل ملتين .

فهذه الأخبار تمنع توريث المسلم من الكافر [ ص: 37 ] والكافر من المسلم ، ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه ، فهو ثابت الحكم في إسقاط التوارث بينهما .

وأما حديث معاذ فإنه لم يعن هذه المقالة ، وإنما تأول فيها قوله : الإيمان يزيد ولا ينقص والتأويل لا يقضى به على النص والتوقيف وإنما يرد التأويل إلى المنصوص عليه ويحمل على موافقته دون مخالفته . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : الإيمان يزيد ولا ينقص يحتمل أن يريد به من أسلم ترك على إسلامه ومن خرج عن الإسلام رد إليه ؛ وإذا احتمل ذلك واحتمل ما تأوله معاذ وجب حمله على موافقة خبر أسامة في منع التوارث ، إذ غير جائز رد النص بالتأويل والاحتمال . والاحتمال أيضا لا تثبت به حجة ؛ لأنه مشكوك فيه وهو مفتقر في إثبات حكمه إلى دلالة من غيره ، فسقط الاحتجاج به .

وأما قول مسروق : " ما أحدث في الإسلام قضية أعجب من قضية قضى بها معاوية في توريث المسلم من الكافر " فإنه يدل على بطلان هذا المذهب لإخباره أنها قضية محدثة في الإسلام ، وذلك يوجب أن يكون قبل قضية معاوية لم يكن يورث المسلم من الكافر ؛ وإذا ثبت أن من قبل قضية معاوية لم يكن يورث المسلم من الكافر وأن معاوية لا يجوز أن يكون خلافا عليهم ، بل هو ساقط القول معهم . ويؤيد ذلك أيضا قول داود بن أبي هند : إن عمر بن عبد العزيز ردهم إلى الأمر الأول ؛ والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية