قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم أي هيئاتهم ومناظرهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4وإن يقولوا تسمع لقولهم يعني
عبد الله بن أبي .
قال ابن عباس : كان عبد الله بن أبي وسيما جسيما صحيحا صبيحا ذلق اللسان ، فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالته . وصفه الله بتمام الصورة وحسن الإبانة . وقال
الكلبي : المراد
ابن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قشير ، كانت لهم أجسام ومنظر وفصاحة . وفي صحيح
مسلم : وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4كأنهم خشب مسندة قال : كانوا رجالا أجمل شيء كأنهم خشب مسندة ، شبههم بخشب مسندة إلى الحائط لا يسمعون ولا يعقلون ، أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام . وقيل : شبههم بالخشب التي قد تآكلت فهي مسندة بغيرها لا يعلم ما في بطنها . وقرأ
قنبل وأبو عمرو nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي " خشب " بإسكان الشين . وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب واختيار
أبي عبيد ، لأن واحدتها خشبة . كما تقول : بدنة وبدن ، وليس في اللغة فعلة يجمع على فعل . ويلزم من ثقلها أن تقول : البدن ، فتقرأ " والبدن " . وذكر
اليزيدي أنه جماع الخشباء ، كقوله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=30وحدائق غلبا واحدتها حديقة غلباء . وقرأ الباقون بالتثقيل وهي رواية
البزي عن
ابن كثير وعياش عن
أبي عمرو ، وأكثر الروايات عن
عاصم . واختاره
أبو حاتم ، كأنه جمع خشاب وخشب ، نحو ثمرة وثمار وثمر . وإن شئت جمعت خشبة على خشب كما قالوا : بدنة وبدن وبدن . وقد روي عن
ابن المسيب فتح الخاء والشين في " خشب " . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : خشبة وخشب ، مثل بدنة وبدن ، قال : ومثله بغير هاء أسد وأسد ، ووثن ووثن وتقرأ خشب ، وهو جمع الجمع ، خشبة وخشاب وخشب ، مثل ثمرة وثمار
[ ص: 116 ] وثمر . والإسناد الإمالة ، تقول : أسندت الشيء أي أملته . و " مسندة " للتكثير ; أي استندوا إلى الأيمان بحقن دمائهم .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو أي كل أهل صيحة عليهم هم العدو . ف " هم العدو " في موضع المفعول الثاني على أن الكلام لا ضمير فيه . يصفهم بالجبن والخور . قال
مقاتل nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : أي إذا نادى مناد في العسكر أن انفلتت دابة أو أنشدت ضالة ظنوا أنهم المرادون ; لما في قلوبهم من الرعب . كما قال الشاعر وهو
الأخطل :
ما زلت تحسب كل شيء بعدهم خيلا تكر عليهم ورجالا
وقيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو كلام ضميره فيه لا يفتقر إلى ما بعد ; وتقديره : يحسبون كل صيحة عليهم أنهم قد فطن بهم وعلم بنفاقهم ; لأن للريبة خوفا . ثم استأنف الله خطاب نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : " هم العدو " وهذا معنى قول
الضحاك وقيل : يحسبون كل صيحة يسمعونها في المسجد أنها عليهم ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر فيها بقتلهم ; فهم أبدا وجلون من أن ينزل الله فيهم أمرا يبيح به دماءهم ، ويهتك به أستارهم . وفي هذا المعنى قول الشاعر :
فلو أنها عصفورة لحسبتها مسومة تدعو عبيدا وأزنما
بطن من
بني يربوع .
ثم وصفهم الله بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4هم العدو فاحذرهم حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=16328عبد الرحمن بن أبي حاتم . وفي قوله تعالى : فاحذرهم وجهان : أحدهما : فاحذر أن تثق بقولهم أو تميل إلى كلامهم .
الثاني : فاحذر ممايلتهم لأعدائك وتخذيلهم لأصحابك .
" قاتلهم الله " أي لعنهم الله قاله
ابن عباس وأبو مالك . وهي كلمة ذم وتوبيخ . وقد تقول العرب : قاتله الله ما أشعره ! يضعونه موضع التعجب . وقيل : معنى قاتلهم الله أي أحلهم محل من قاتله عدو قاهر ; لأن الله تعالى قاهر لكل معاند . حكاه
ابن عيسى .
" أنى يؤفكون " أي يكذبون ; قاله
ابن عباس .
قتادة : معناه يعدلون عن الحق . الحسن : معناه يصرفون عن الرشد . وقيل : معناه كيف تضل عقولهم عن هذا مع وضوح الدلائل ; وهو من الإفك وهو الصرف . و " أنى " بمعنى كيف ; وقد تقدم .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ أَيْ هَيْئَاتِهِمْ وَمَنَاظِرَهُمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ يَعْنِي
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَسِيمًا جَسِيمًا صَحِيحًا صَبِيحًا ذَلِقَ اللِّسَانِ ، فَإِذَا قَالَ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ . وَصَفَهُ اللَّهُ بِتَمَامِ الصُّورَةِ وَحُسْنِ الْإِبَانَةِ . وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ : الْمُرَادُ
ابْنُ أُبَيٍّ وَجَدُّ بْنُ قَيْسٍ وَمُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ، كَانَتْ لَهُمْ أَجْسَامٌ وَمَنْظَرٌ وَفَصَاحَةٌ . وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ : وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ قَالَ : كَانُوا رِجَالًا أَجْمَلَ شَيْءٍ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ، شَبَّهَهُمْ بِخُشُبٍ مُسَنَّدَةٍ إِلَى الْحَائِطِ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَعْقِلُونَ ، أَشْبَاحٌ بِلَا أَرْوَاحٍ وَأَجْسَامٌ بِلَا أَحْلَامٍ . وَقِيلَ : شَبَّهَهُمْ بِالْخُشُبِ الَّتِي قَدْ تَآكَلَتْ فَهِيَ مُسْنَدَةٌ بِغَيْرِهَا لَا يُعْلَمُ مَا فِي بَطْنِهَا . وَقَرَأَ
قُنْبُلٌ وَأَبُو عَمْرٍو nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ " خُشْبٌ " بِإِسْكَانِ الشِّينِ . وَهِيَ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=48الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَاخْتِيَارُ
أَبِي عُبَيْدٍ ، لِأَنَّ وَاحِدَتَهَا خَشَبَةٌ . كَمَا تَقُولُ : بَدَنَةٌ وَبُدْنٌ ، وَلَيْسَ فِي اللُّغَةِ فَعَلَةٌ يُجْمَعُ عَلَى فُعُلٍ . وَيَلْزَمُ مِنْ ثِقَلِهَا أَنْ تَقُولَ : الْبُدُنُ ، فَتُقْرَأُ " وَالْبُدُنُ " . وَذَكَرَ
الْيَزِيدِيُّ أَنَّهُ جِمَاعُ الْخَشْبَاءِ ، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=30وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَاحِدَتُهَا حَدِيقَةٌ غَلْبَاءُ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّثْقِيلِ وَهِيَ رِوَايَةُ
الْبَزِّيِّ عَنِ
ابْنِ كَثِيرٍ وَعَيَّاشٍ عَنْ
أَبِي عَمْرٍو ، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ
عَاصِمٍ . وَاخْتَارَهُ
أَبُو حَاتِمٍ ، كَأَنَّهُ جَمْعُ خِشَابٍ وَخُشُبٍ ، نَحْوَ ثَمَرَةٍ وَثِمَارٍ وَثُمُرٍ . وَإِنْ شِئْتَ جَمَعْتَ خَشَبَةً عَلَى خُشْبٍ كَمَا قَالُوا : بَدَنَةً وَبُدْنٍ وَبُدُنٍ . وَقَدْ رُوِيَ عَنِ
ابْنِ الْمُسَيَّبِ فَتْحُ الْخَاءِ وَالشِّينِ فِي " خُشُبٍ " . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : خَشَبَةٌ وَخُشُبٌ ، مِثْلَ بَدَنَةٍ وَبُدُنٍ ، قَالَ : وَمِثْلُهُ بِغَيْرِ هَاءٍ أَسَدٌ وَأُسْدٌ ، وَوَثَنٌ وَوُثْنٌ وَتُقْرَأُ خُشُبٌ ، وَهُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ ، خَشَبَةٌ وَخِشَابٌ وَخُشُبٌ ، مِثْلَ ثَمَرَةٍ وَثِمَارٍ
[ ص: 116 ] وَثُمُرٍ . وَالْإِسْنَادُ الْإِمَالَةُ ، تَقُولُ : أَسْنَدْتُ الشَّيْءَ أَيْ أَمَلْتُهُ . وَ " مُسَنَّدَةٌ " لِلتَّكْثِيرِ ; أَيِ اسْتَنَدُوا إِلَى الْأَيْمَانِ بِحَقْنِ دِمَائِهِمْ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ أَيْ كُلُّ أَهْلِ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ . فَ " هُمُ الْعَدُوُّ " فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ لَا ضَمِيرَ فِيهِ . يَصِفُهُمْ بِالْجُبْنِ وَالْخَوَرِ . قَالَ
مُقَاتِلٌ nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيُّ : أَيْ إِذَا نَادَى مُنَادٍ فِي الْعَسْكَرِ أَنِ انْفَلَتَتْ دَابَّةٌ أَوْ أُنْشِدَتْ ضَالَّةٌ ظَنُّوا أَنَّهُمُ الْمُرَادُونَ ; لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الرُّعْبِ . كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ وَهُوَ
الْأَخْطَلُ :
مَا زِلْتَ تَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ بَعْدَهُمْ خَيْلًا تَكُرُّ عَلَيْهِمُ وَرِجَالَا
وَقِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ كَلَامٌ ضَمِيرُهُ فِيهِ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى مَا بَعْدُ ; وَتَقْدِيرُهُ : يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَدْ فُطِنَ بِهِمْ وَعُلِمَ بِنِفَاقِهِمْ ; لِأَنَّ لِلرِّيبَةِ خَوْفًا . ثُمَّ اسْتَأْنَفَ اللَّهُ خِطَابَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " هُمُ الْعَدُوُّ " وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ
الضَّحَّاكِ وَقِيلَ : يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ يَسْمَعُونَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَنَّهَا عَلَيْهِمْ ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ فِيهَا بِقَتْلِهِمْ ; فَهُمْ أَبَدًا وَجِلُونَ مِنْ أَنْ يُنْزِلَ اللَّهُ فِيهِمْ أَمْرًا يُبِيحَ بِهِ دِمَاءَهُمْ ، وَيَهْتِكَ بِهِ أَسْتَارَهُمْ . وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ الشَّاعِرِ :
فَلَوْ أَنَّهَا عُصْفُورَةٌ لَحَسِبْتُهَا مُسَوَّمَةً تَدْعُو عُبَيْدًا وَأَزْنَمَا
بَطْنٌ مِنْ
بَنِي يَرْبُوعٍ .
ثُمَّ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ حَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16328عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ . وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى : فَاحْذَرْهُمْ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : فَاحْذَرْ أَنْ تَثِقَ بِقَوْلِهِمْ أَوْ تَمِيلَ إِلَى كَلَامِهِمْ .
الثَّانِي : فَاحْذَرْ مُمَايَلَتِهِمْ لِأَعْدَائِكَ وَتَخْذِيلِهِمْ لِأَصْحَابِكَ .
" قَاتَلَهُمُ اللَّهُ " أَيْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو مَالِكٍ . وَهِيَ كَلِمَةُ ذَمٍّ وَتَوْبِيخٍ . وَقَدْ تَقُولُ الْعَرَبُ : قَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَشْعَرَهُ ! يَضَعُونَهُ مَوْضِعَ التَّعَجُّبِ . وَقِيلَ : مَعْنَى قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَيْ أَحَلَّهُمْ مَحَلَّ مَنْ قَاتَلَهُ عَدُوٌّ قَاهِرٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَاهِرٌ لِكُلِّ مُعَانِدٍ . حَكَاهُ
ابْنُ عِيسَى .
" أَنَّى يُؤْفَكُونَ " أَيْ يَكْذِبُونَ ; قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ .
قَتَادَةُ : مَعْنَاهُ يَعْدِلُونَ عَنِ الْحَقِّ . الْحَسَنُ : مَعْنَاهُ يُصْرَفُونَ عَنِ الرُّشْدِ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ كَيْفَ تَضِلُّ عُقُولُهُمْ عَنْ هَذَا مَعَ وُضُوحِ الدَّلَائِلِ ; وَهُوَ مِنَ الْإِفْكِ وَهُوَ الصَّرْفُ . وَ " أَنَّى " بِمَعْنَى كَيْفَ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ .