ثم ذكر تعالى جواب المؤمن ، فقال جل جلاله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=37قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ) وفيه بحثان :
البحث الأول : أن الإنسان الأول قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=36وما أظن الساعة قائمة ) وهذا الثاني كفره حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=37أكفرت بالذي خلقك من تراب ) وهذا يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=10015_28760الشاك في حصول البعث كافر .
البحث الثاني : هذا الاستدلال يحتمل وجهين :
الأول : يرجع إلى الطريقة المذكورة في القرآن ، وهو أنه تعالى لما قدر على الابتداء وجب أن يقدر على الإعادة ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=37خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ) إشارة إلى
nindex.php?page=treesubj&link=32405_28661خلق الإنسان في الابتداء .
الوجه الثاني : أنه لما خلقك هكذا فلم يخلقك عبثا ، وإنما خلقك للعبودية وإذا خلقك لهذا المعنى وجب أن يحصل للمطيع ثواب وللمذنب عقاب وتقريره ما ذكرناه في سورة يس ، ويدل على هذا الوجه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=37ثم سواك رجلا ) أي هيأك هيئة تعقل وتصلح للتكليف ، فهل يجوز في العقل مع هذه الحالة إهماله أمرك ، ثم قال المؤمن : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38لكنا هو الله ربي ) وفيه بحثان :
البحث الأول : قال أهل اللغة (لكنا) أصله لكن أنا فحذفت الهمزة وألقيت حركتها على نون لكن فاجتمعت النونان فأدغمت نون لكن في النون التي بعدها ومثله :
[ ص: 108 ] وتقلينني لكن إياك لا أقلي
أي لكن أنا لا أقليك ، وهو في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38هو الله ربي ) ضمير الشأن وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38الله ربي ) جملة من المبتدأ والخبر واقعة في معرض الخبر لقوله : (هو) فإن قيل : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38لكنا ) استدراك لماذا ؟ قلنا لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=37أكفرت ) كأنه قال لأخيه : أكفرت بالله لكني مؤمن موحد كما تقول : زيد غائب لكن عمرو حاضر .
والبحث الثاني : قرأ
ابن عامر ويعقوب الحضرمي ونافع في رواية : ( لكنا هو الله ربي ) في الوصل بالألف ، وفي قراءة الباقين : ( لكن هو الله ربي ) بغير ألف ، والمعنى واحد ، ثم قال المؤمن : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38ولا أشرك بربي أحدا ) ذكر القفال فيه وجوها :
أحدها : إني لا أرى الفقر والغنى إلا منه ، فأحمده إذا أعطى ، وأصبر إذا ابتلى ، ولا أتكبر عندما ينعم علي ولا أرى كثرة المال والأعوان من نفسي ؛ وذلك لأن الكافر لما اعتز بكثرة المال والجاه ، فكأنه قد أثبت لله شريكا في إعطاء العز والغنى .
وثانيها : لعل ذلك الكافر مع كونه منكرا للبعث كان عابد صنم ، فبين هذا المؤمن فساد قوله بإثبات الشركاء .
وثالثها : أن هذا الكافر لما عجز الله عن البعث والحشر ، فقد جعله مساويا للخلق في هذا العجز ، وإذا أثبت المساواة ، فقد أثبت الشريك ، ثم قال المؤمن للكافر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=39ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) فأمره أن يقول هذين الكلامين :
الأول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=39ما شاء الله ) وفيه وجهان :
الأول : أن تكون ( ما ) شرطية ويكون الجزاء محذوفا ، والتقدير : أي شيء شاء الله كان .
والثاني : أن تكون ما موصولة مرفوعة المحل على أنها خبر مبتدأ محذوف وتقديره الأمر ما شاء الله ، واحتج أصحابنا بهذا على أن كل ما أراده الله وقع ، وكل ما لم يرده لم يقع ، وهذا يدل على أنه ما أراد الله الإيمان من الكافر ، وهو صريح في إبطال قول
المعتزلة .
أجاب
الكعبي عنه بأن تأويل قولهم : ما شاء مما تولى فعله لا مما هو فعل العباد كما قالوا : لا مرد لأمر الله لم يرد ما أمر به العباد ، ثم قال : لا يمتنع أن يحصل في سلطانه ما لا يريده كما يحصل فيه ما نهى عنه ، واعلم أن الذي ذكر
الكعبي ليس جوابا عن الاستدلال بل هو التزام المخالفة لظاهر النص وقياس الإرادة على الأمر باطل ؛ لأن هذا النص دال على أنه لا يوجد إلا ما أراده الله ، وليس في النصوص ما يدل على أنه لا يدخل في الوجود إلا ما أمر به ، فظهر الفرق ، وأجاب
القفال عنه بأن قال : هلا إذا دخلت بستانك ، قلت : ما شاء الله كقول الإنسان لهذه الأشياء الموجودة في هذا البستان ما شاء الله ، ومثله قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ) وهم ثلاثة ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=161وقولوا حطة ) ( الأعراف : 161 ) أي قولوا هذه حطة ، وإذا كان كذلك كان المراد من هذا الشيء الموجود في البستان شيئا شاء الله تكوينه ، وعلى هذا التقدير لم يلزم أن يقال : كل ما شاء الله وقع ؛ لأن هذا الحكم غير عام في الكل بل مختص بالأشياء المشاهدة في البستان ، وهذا التأويل الذي ذكره
القفال أحسن بكثير مما ذكره
الجبائي والكعبي ، وأقول : إنه على جوابه لا يدفع الإشكال على
المعتزلة ؛ لأن عمارة ذلك البستان ربما حصلت بالغصوب والظلم الشديد ، فلا يصح أيضا على قول
المعتزلة أن يقال : هذا واقع بمشيئة الله ، اللهم إلا أن نقول : المراد أن هذه الثمار حصلت بمشيئة الله تعالى إلا أن هذا تخصيص لظاهر النص من غير دليل ، والكلام الثاني الذي أمر المؤمن الكافر بأن يقوله هو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=39لا قوة إلا بالله ) أي
nindex.php?page=treesubj&link=29689_24451_33152لا قوة لأحد على أمر من الأمور إلا بإعانة الله وإقداره .
والمقصود أنه قال المؤمن للكافر : هلا قلت عند دخول جنتك : الأمر ما شاء الله ، والكائن ما قدره الله
[ ص: 109 ] اعترافا بأنها وكل خير فيها بمشيئة الله وفضله ، فإن أمرها بيده إن شاء تركها وإن شاء خربها ، وهلا قلت : لا قوة إلا بالله إقرارا بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها ، فهو بمعونة الله وتأييده لا يقوى أحد في بدنه ولا في ملك يده إلا بالله ، ثم إن المؤمن لما علم الكافر الإيمان أجابه عن افتخاره بالمال والنفر ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=39إن ترني أنا أقل منك مالا وولدا ) من قرأ أقل بالنصب فقد جعل أنا فصلا وأقل مفعولا ثانيا ، ومن قرأ بالرفع جعل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=34أنا ) مبتدأ ، وقوله : (أقل) خبرا ، والجملة مفعولا ثانيا لترني ، واعلم أن ذكر الولد ههنا يدل على أن المراد بالنفر المذكور في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=34وأعز نفرا ) الأعوان والأولاد ، كأنه يقول له : إن كنت تراني أقل مالا وولدا وأنصارا في الدنيا الفانية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=40فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك ) إما في الدنيا ، وإما في الآخرة ، ويرسل على جنتك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=40حسبانا من السماء ) أي عذابا وتخريبا ، والحسبان مصدر كالغفران والبطلان بمعنى الحساب ؛ أي مقدارا قدره الله وحسبه ، وهو الحكم بتخريبها . قال
الزجاج : عذاب حسبان ، وذلك الحسبان حسبان ما كسبت يداك ، وقيل : حسبانا أي مرامي ، الواحد منها حسبانة ، وهي الصواعق : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=40فتصبح صعيدا زلقا ) أي فتصبح جنتك أرضا ملساء لا نبات فيها ، والصعيد وجه الأرض ، زلقا أي تصير بحيث تزلق الرجل عليها زلقا ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=41أو يصبح ماؤها غورا ) أي يغوص ويسفل في الأرض : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=41فلن تستطيع له طلبا ) أي فيصير بحيث لا تقدر على رده إلى موضعه . قال أهل اللغة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=41ماؤها غورا ) أي غائرا وهو نعت على لفظ المصدر ، كما يقال : فلان زور وصوم ، للواحد والجمع والمذكر والمؤنث ، ويقال : نساء نوح أي نوائح ، ثم أخبر الله تعالى أنه حقق ما قدره هذا المؤمن ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=42وأحيط بثمره ) وهو عبارة عن إهلاكه بالكلية ، وأصله من إحاطة العدو ؛ لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه ثم استعمل في كل إهلاك ، ومنه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=66إلا أن يحاط بكم ) ( يوسف : 66 ) ومثله قولهم : أتى عليه إذا أهلكه ، من أتى عليهم العدو إذا جاءهم مستعليا عليهم .
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى جَوَابَ الْمُؤْمِنِ ، فَقَالَ جَلَّ جَلَالُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=37قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ) وَفِيهِ بَحْثَانِ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : أَنَّ الْإِنْسَانَ الْأَوَّلَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=36وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً ) وَهَذَا الثَّانِي كَفَّرَهُ حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=37أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10015_28760الشَّاكَّ فِي حُصُولِ الْبَعْثِ كَافِرٌ .
الْبَحْثُ الثَّانِي : هَذَا الِاسْتِدْلَالُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : يَرْجِعُ إِلَى الطَّرِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَدَرَ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَجَبَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْإِعَادَةِ ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=37خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ) إِشَارَةٌ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=32405_28661خَلْقِ الْإِنْسَانِ فِي الِابْتِدَاءِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا خَلَقَكَ هَكَذَا فَلَمْ يَخْلُقْكَ عَبَثًا ، وَإِنَّمَا خَلَقَكَ لِلْعُبُودِيَّةِ وَإِذَا خَلَقَكَ لِهَذَا الْمَعْنَى وَجَبَ أَنْ يَحْصُلَ لِلْمُطِيعِ ثَوَابٌ وَلِلْمُذْنِبِ عِقَابٌ وَتَقْرِيرُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ يس ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=37ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ) أَيْ هَيَّأَكَ هَيْئَةً تَعْقِلُ وَتَصْلُحُ لِلتَّكْلِيفِ ، فَهَلْ يَجُوزُ فِي الْعَقْلِ مَعَ هَذِهِ الْحَالَةِ إِهْمَالُهُ أَمْرَكَ ، ثُمَّ قَالَ الْمُؤْمِنُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي ) وَفِيهِ بَحْثَانِ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ (لَكُنَّا) أَصْلُهُ لَكِنْ أَنَا فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ وَأُلْقِيَتْ حَرَكَتُهَا عَلَى نُونِ لَكِنْ فَاجْتَمَعَتِ النُّونَانِ فَأُدْغِمَتْ نُونُ لَكِنْ فِي النُّونِ الَّتِي بَعْدَهَا وَمِثْلُهُ :
[ ص: 108 ] وَتَقْلِينَنِي لَكِنَّ إِيَّاكَ لَا أَقْلِي
أَيْ لَكِنْ أَنَا لَا أَقْلِيكِ ، وَهُوَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38هُوَ اللَّهُ رَبِّي ) ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38اللَّهُ رَبِّي ) جُمْلَةٌ مِنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ وَاقِعَةٌ فِي مَعْرِضِ الْخَبَرِ لِقَوْلِهِ : (هُوَ) فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38لَكِنَّا ) اسْتِدْرَاكٌ لِمَاذَا ؟ قُلْنَا لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=37أَكَفَرْتَ ) كَأَنَّهُ قَالَ لِأَخِيهِ : أَكَفَرْتَ بِاللَّهِ لَكِنِّي مُؤْمِنٌ مُوَحِّدٌ كَمَا تَقُولُ : زَيْدٌ غَائِبٌ لَكِنْ عَمْرٌو حَاضِرٌ .
وَالْبَحْثُ الثَّانِي : قَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ وَنَافِعٌ فِي رِوَايَةٍ : ( لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي ) فِي الْوَصْلِ بِالْأَلِفِ ، وَفِي قِرَاءَةِ الْبَاقِينَ : ( لَكِنَّ هُوَ اللَّهُ رَبِّي ) بِغَيْرِ أَلِفٍ ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ ، ثُمَّ قَالَ الْمُؤْمِنُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=38وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا ) ذَكَرَ الْقَفَّالُ فِيهِ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : إِنِّي لَا أَرَى الْفَقْرَ وَالْغِنَى إِلَّا مِنْهُ ، فَأَحْمَدُهُ إِذَا أَعْطَى ، وَأَصْبِرُ إِذَا ابْتَلَى ، وَلَا أَتَكَبَّرُ عِنْدَمَا يُنْعِمُ عَلَيَّ وَلَا أَرَى كَثْرَةَ الْمَالِ وَالْأَعْوَانِ مِنْ نَفْسِي ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَمَّا اعْتَزَّ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْجَاهِ ، فَكَأَنَّهُ قَدْ أَثْبَتَ لِلَّهِ شَرِيكًا فِي إِعْطَاءِ الْعِزِّ وَالْغِنَى .
وَثَانِيهَا : لَعَلَّ ذَلِكَ الْكَافِرَ مَعَ كَوْنِهِ مُنْكِرًا لِلْبَعْثِ كَانَ عَابِدَ صَنَمٍ ، فَبَيَّنَ هَذَا الْمُؤْمِنُ فَسَادَ قَوْلِهِ بِإِثْبَاتِ الشُّرَكَاءِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ هَذَا الْكَافِرَ لَمَّا عَجَّزَ اللَّهَ عَنِ الْبَعْثِ وَالْحَشْرِ ، فَقَدْ جَعَلَهُ مُسَاوِيًا لِلْخَلْقِ فِي هَذَا الْعَجْزِ ، وَإِذَا أَثْبَتَ الْمُسَاوَاةَ ، فَقَدْ أَثْبَتَ الشَّرِيكَ ، ثُمَّ قَالَ الْمُؤْمِنُ لِلْكَافِرِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=39وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ) فَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَيْنِ الْكَلَامَيْنِ :
الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=39مَا شَاءَ اللَّهُ ) وَفِيهِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنْ تَكُونَ ( مَا ) شَرْطِيَّةً وَيَكُونَ الْجَزَاءُ مَحْذُوفًا ، وَالتَّقْدِيرُ : أَيُّ شَيْءٍ شَاءَ اللَّهُ كَانَ .
وَالثَّانِي : أَنْ تَكُونَ مَا مَوْصُولَةً مَرْفُوعَةَ الْمَحَلِّ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَتَقْدِيرُهُ الْأَمْرُ مَا شَاءَ اللَّهُ ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذَا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ وَقَعَ ، وَكُلَّ مَا لَمْ يُرِدْهُ لَمْ يَقَعْ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا أَرَادَ اللَّهُ الْإِيمَانَ مِنَ الْكَافِرِ ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي إِبْطَالِ قَوْلِ
الْمُعْتَزِلَةِ .
أَجَابَ
الْكَعْبِيُّ عَنْهُ بِأَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِهِمْ : مَا شَاءَ مِمَّا تَوَلَّى فِعْلَهُ لَا مِمَّا هُوَ فِعْلُ الْعِبَادِ كَمَا قَالُوا : لَا مَرَدَّ لِأَمْرِ اللَّهِ لَمْ يُرِدْ مَا أَمَرَ بِهِ الْعِبَادَ ، ثُمَّ قَالَ : لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَحْصُلَ فِي سُلْطَانِهِ مَا لَا يُرِيدُهُ كَمَا يَحْصُلُ فِيهِ مَا نَهَى عَنْهُ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي ذَكَرَ
الْكَعْبِيُّ لَيْسَ جَوَابًا عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بَلْ هُوَ الْتِزَامُ الْمُخَالَفَةِ لِظَاهِرِ النَّصِّ وَقِيَاسُ الْإِرَادَةِ عَلَى الْأَمْرِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّصَّ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَّا مَا أَرَادَهُ اللَّهُ ، وَلَيْسَ فِي النُّصُوصِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ إِلَّا مَا أَمَرَ بِهِ ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ ، وَأَجَابَ
الْقَفَّالُ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ : هَلَّا إِذَا دَخَلْتَ بُسْتَانَكَ ، قُلْتَ : مَا شَاءَ اللَّهُ كَقَوْلِ الْإِنْسَانِ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَوْجُودَةِ فِي هَذَا الْبُسْتَانِ مَا شَاءَ اللَّهُ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=22سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ ) وَهُمْ ثَلَاثَةٌ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=161وَقُولُوا حِطَّةٌ ) ( الْأَعْرَافِ : 161 ) أَيْ قُولُوا هَذِهِ حِطَّةٌ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الشَّيْءِ الْمَوْجُودِ فِي الْبُسْتَانِ شَيْئًا شَاءَ اللَّهُ تَكْوِينَهُ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يُقَالَ : كُلُّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَقَعَ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ غَيْرُ عَامٍّ فِي الْكُلِّ بَلْ مُخْتَصٌّ بِالْأَشْيَاءِ الْمُشَاهَدَةِ فِي الْبُسْتَانِ ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ
الْقَفَّالُ أَحْسَنُ بِكَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرَهُ
الْجُبَّائِيُّ وَالْكَعْبِيُّ ، وَأَقُولُ : إِنَّهُ عَلَى جَوَابِهِ لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ عَلَى
الْمُعْتَزِلَةِ ؛ لِأَنَّ عِمَارَةَ ذَلِكَ الْبُسْتَانِ رُبَّمَا حَصَلَتْ بِالْغُصُوبِ وَالظُّلْمِ الشَّدِيدِ ، فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ
الْمُعْتَزِلَةِ أَنْ يُقَالَ : هَذَا وَاقِعٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ نَقُولَ : الْمُرَادُ أَنَّ هَذِهِ الثِّمَارَ حَصَلَتْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا أَنَّ هَذَا تَخْصِيصٌ لِظَاهِرِ النَّصِّ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ ، وَالْكَلَامُ الثَّانِي الَّذِي أَمَرَ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ بِأَنْ يَقُولَهُ هُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=39لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ) أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=29689_24451_33152لَا قُوَّةَ لِأَحَدٍ عَلَى أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ إِلَّا بِإِعَانَةِ اللَّهِ وَإِقْدَارِهِ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ قَالَ الْمُؤْمِنُ لِلْكَافِرِ : هَلَّا قُلْتَ عِنْدَ دُخُولِ جَنَّتِكَ : الْأَمْرُ مَا شَاءَ اللَّهُ ، وَالْكَائِنُ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ
[ ص: 109 ] اعْتِرَافًا بِأَنَّهَا وَكُلُّ خَيْرٍ فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ ، فَإِنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهِ إِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَإِنْ شَاءَ خَرَّبَهَا ، وَهَلَّا قُلْتَ : لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِقْرَارًا بِأَنَّ مَا قُوِّيتَ بِهِ عَلَى عِمَارَتِهَا وَتَدْبِيرِ أَمْرِهَا ، فَهُوَ بِمَعُونَةِ اللَّهِ وَتَأْيِيدِهِ لَا يَقْوَى أَحَدٌ فِي بَدَنِهِ وَلَا فِي مِلْكِ يَدِهِ إِلَّا بِاللَّهِ ، ثُمَّ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَمَّا عَلَّمَ الْكَافِرَ الْإِيمَانَ أَجَابَهُ عَنِ افْتِخَارِهِ بِالْمَالِ وَالنَّفَرِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=39إِنْ تَرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا ) مَنْ قَرَأَ أَقَلَّ بِالنَّصْبِ فَقَدْ جَعَلَ أَنَا فَصْلًا وَأَقَلَّ مَفْعُولًا ثَانِيًا ، وَمَنْ قَرَأَ بِالرَّفْعِ جَعَلَ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=34أَنَا ) مُبْتَدَأً ، وَقَوْلَهُ : (أَقَلُّ) خَبَرًا ، وَالْجُمْلَةَ مَفْعُولًا ثَانِيًا لِتَرَنِي ، وَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ الْوَلَدِ هَهُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفَرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=34وَأَعَزُّ نَفَرًا ) الْأَعْوَانُ وَالْأَوْلَادُ ، كَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ : إِنْ كُنْتَ تَرَانِي أَقَلَّ مَالًا وَوَلَدًا وَأَنْصَارًا فِي الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=40فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ ) إِمَّا فِي الدُّنْيَا ، وَإِمَّا فِي الْآخِرَةِ ، وَيُرْسِلَ عَلَى جَنَّتِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=40حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ ) أَيْ عَذَابًا وَتَخْرِيبًا ، وَالْحُسْبَانُ مَصْدَرٌ كَالْغُفْرَانِ وَالْبُطْلَانِ بِمَعْنَى الْحِسَابِ ؛ أَيْ مِقْدَارًا قَدَّرَهُ اللَّهُ وَحَسَبَهُ ، وَهُوَ الْحُكْمُ بِتَخْرِيبِهَا . قَالَ
الزَّجَّاجُ : عَذَابٌ حُسْبَانٌ ، وَذَلِكَ الْحُسْبَانُ حُسْبَانُ مَا كَسَبَتْ يَدَاكَ ، وَقِيلَ : حُسْبَانًا أَيْ مَرَامِيَ ، الْوَاحِدُ مِنْهَا حُسْبَانَةٌ ، وَهِيَ الصَّوَاعِقُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=40فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ) أَيْ فَتُصْبِحَ جَنَّتُكَ أَرْضًا مَلْسَاءَ لَا نَبَاتَ فِيهَا ، وَالصَّعِيدُ وَجْهُ الْأَرْضِ ، زَلَقًا أَيْ تَصِيرُ بِحَيْثُ تَزْلَقُ الرِّجْلُ عَلَيْهَا زَلَقًا ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=41أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا ) أَيْ يَغُوصُ وَيَسْفُلُ فِي الْأَرْضِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=41فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا ) أَيْ فَيَصِيرُ بِحَيْثُ لَا تَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ إِلَى مَوْضِعِهِ . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=41مَاؤُهَا غَوْرًا ) أَيْ غَائِرًا وَهُوَ نَعْتٌ عَلَى لَفْظِ الْمَصْدَرِ ، كَمَا يُقَالُ : فُلَانٌ زَوْرٌ وَصَوْمٌ ، لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالْمُذَكِّرِ وَالْمُؤَنَّثِ ، وَيُقَالُ : نِسَاءٌ نَوْحٌ أَيْ نَوَائِحُ ، ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ حَقَّقَ مَا قَدَّرَهُ هَذَا الْمُؤْمِنُ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=42وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ ) وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إِهْلَاكِهِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَأَصْلُهُ مِنْ إِحَاطَةِ الْعَدُوِّ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَحَاطَ بِهِ فَقَدْ مَلَكَهُ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ إِهْلَاكٍ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=66إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ ) ( يُوسُفَ : 66 ) وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ : أَتَى عَلَيْهِ إِذَا أَهْلَكَهُ ، مِنْ أَتَى عَلَيْهِمُ الْعَدُوُّ إِذَا جَاءَهُمْ مُسْتَعْلِيًا عَلَيْهِمْ .