الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر عدة حوادث .

في هذه السنة دام الغلاء في ديار الجزيرة ، ودامت الأسعار تزيد قليلا وتنقص قليلا ، وانقطع المطر جميع شباط وعشرة أيام من آذار ، فازداد الغلاء ، فبلغت الحنطة كل مكوكين بدينار وقيراطين بالموصل ، والشعير كل ثلاثة مكاكيك بالموصلي بدينار وقراطين أيضا ، وكل شيء بهذه السنة في الغلاء . وفيها في الربيع ، قل لحم الغنم بالموصل ، وغلا سعره ، حتى بيع كل رطل لحم بالبغدادي بحبتين بالصنجة ، وربما زاد في بعض الأيام على هذا الثمن .

وحكى لي من يتولى بيع الغنم بالموصل أنهم باعوا يوما خروفا واحدا لا غير ، وفي بعضها خمسة أرؤس ، وفي بعضها ستة ، وأقل وأكثر ، وهذا ما لم يسمع بمثله ، ولا رأيناه في جميع أعمارنا ، ولا حكي لنا مثله ; لأن الربيع مظنة رخص اللحم بها ; لأن التركمان والأكراد والكيلكان ينتقلون من الأمكنة التي شتوا بها إلى الزوزان فيبيعون الغنم رخيصا .

وكان اللحم كل سنة في هذا الفصل كل ستة أرطال وسبعة بقيراط ، صار هذه السنة الرطل بحبتين .

وفيها عاشر آذار ، وهو العشرون من ربيع الأول ، سقط الثلج بالموصل مرتين ، وهذا غريب جدا لم يسمع بمثله ، فأهلك الأزهار التي خرجت كزهر اللوز ، والمشمش ، والإجاص ، والسفرجل وغيرها ، ووصلت الأخبار من العراق جميعه مثل ذلك ، فهلكت به أزهارها والثمار ، وهذا أعجب من حال ديار الجزيرة والشام ، فإنه أشد حرا من جميعها .

[ ص: 427 ] وفيها ظفر جمع من التركمان ، كانوا بأطراف أعمال حلب ، بفارس مشهور من الفرنج الداوية بأنطاكية فقتلوه ، فعلم الداوية بذلك فساروا وكبسوا التركمان ، فقتلوا منهم وأسروا ، وغنموا من أموالهم ، فبلغ إلى أتابك شهاب الدين المتولي لأمور حلب ، فراسل الفرنج ، وتهددهم بقصد بلادهم ، واتفق أن عسكر حلب قتلوا فارسين كبيرين من الداوية أيضا ، فأذعنوا بالصلح ، وردوا إلى التركمان كثيرا من أموالهم وحريمهم وأسراهم .

وفيها في رجب ، اجتمع طائفة كثيرة من ديار بكر ، وأرادوا الإغارة على جزيرة ابن عمر ، وكان صاحب الجزيرة قد قتل ، فلما قصدوا بلد الجزيرة ، اجتمع أهل قرية كبيرة من بلد الجزيرة اسمها سلكون ، ولقوهم من ضحوة النهار إلى العصر ، وطال القتال بينهم ، ثم حمل أهل القرية على الأكراد فهزموهم وقتلوا فيهم ، وخرجوا ونهبوا ما معهم وعادوا سالمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية