الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                فأما إذا ألقت جنينين فإن كانا ميتين ففي كل واحد منهما غرة ، وإن كانا حيين ثم ماتا ففي كل واحد منهما دية لوجود سبب وجوب كل واحد منهما وهو الإتلاف إلا أنه أتلفهما بضربة واحدة ومن أتلف شخصين بضربة واحدة يجب عليه ضمان كل واحد منهما كما لو أفرد كل واحد منهما بالضرب كما في الكبيرين فإن ألقت أحدهما ميتا والآخر حيا ثم مات فعليه في الميت الغرة وفي الحي الدية لوجود سبب وجوب الغرة في الجنين الميت والدية في الجنين الحي فيستوي فيه الجمع في الإتلاف والإفراد فيه فإن ماتت الأم من الضربة وخرج الجنين بعد ذلك حيا ثم مات فعليه ديتان دية في الأم ودية في الجنين لوجود سبب وجوبهما وهو قتل شخصين .

                                                                                                                                فإن خرج بعد موتها ميتا فعليه دية الأم ، ولا شيء عليه في الجنين .

                                                                                                                                وقال الشافعي - رحمه الله : يجب عليه في الجنين الغرة ( وجه ) قوله إن أتلفهما جميعا فيؤاخذ بضمان كل واحد منهما كما لو خرج الجنين ميتا ثم ماتت الأم .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن القياس يأبى كون الجنين مضمونا أصلا [ ص: 327 ] لما بينا من احتمال عدم الحياة ، وازداد ههنا احتمال آخر ، وهو أنه يحتمل أنه مات بالضرب ويحتمل أنه مات بموت الأم ، وإنما عرفنا الضمان فيه بالنص ، والنص ورد بالضمان في حال مخصوصة ، وهي ما إذا خرج ميتا قبل موت الأم فسقط اعتبار أحد الاحتمالين فيتعين الثاني في نفي وجوب الضمان في غير هذه الحالة هذا إذا كان الجنين حرا فأما إذا كان رقيقا فإن خرج ففيه نصف عشر قيمته إن كان ذكرا ، وعشر قيمته إن كان أنثى .

                                                                                                                                وروي عن أبي يوسف أن في جنين الأمة ما نقص الأم وقال الشافعي - رحمه الله : فيه عشر قيمة الأم .

                                                                                                                                أما الكلام مع أبي يوسف - رحمه الله - فبناء على أصل ذكرناه فيما تقدم ، وهو أن ضمان الجناية الواردة على العبد ضمان النفس أم ضمان المال ؟ فعلى أصلهما ضمان النفس حتى قالا أنه لا تزاد قيمته على دية الحر بل تنقص ههنا .

                                                                                                                                وكذا تتحمله العاقلة ، وعلى أصل أبي يوسف - رحمه الله - ضمانها ضمان المال حتى قال تبلغ قيمته بالغة ما بلغت ولا تتحمله العاقلة فصار جنينها كجنين البهيمة ، وهناك لا يجب إلا نقصان الأم كذا ههنا ( وأما ) الكلام مع الشافعي - رحمه الله - فبناء على أن الجنين معتبر بنفسه أم بأمه ؟ وقد ذكرنا الدلائل على أنه معتبر بنفسه لا بأمه فيما تقدم والدليل عليه أيضا أن ضمان جنين الحرة موروث عنه على فرائض الله - عز وجل .

                                                                                                                                ولو كان معتبرا بأمه لسلم لها كما يسلم لها أرش عضوها ، وإذا ثبت أن الجنين معتبر بنفسه وأن الواجب فيه ضمان فهذا الاعتبار يوجب أن يكون في جنين الأمة إذا كان رقيقا نصف عشر قيمته إن كان ذكرا ، وعشر قيمته إن كان أنثى ; لأن الواجب في الجنين الحر خمسمائة ذكرا كان أو أنثى ، وهي نصف عشر دية الذكر وعشر دية الأنثى ، والقيمة في الرقيق كالدية في الحر فيلزم أن يكون في الجنين الرقيق نصف عشر قيمته إن كان ذكرا اعتبارا بالحر وعشر قيمته إن كان أنثى اعتبارا بالحرة .

                                                                                                                                وإن خرج حيا ثم مات قيمته لما ذكرنا في الجنين الحر فإن ألقت جنينين ميتين أو جنينين حيين ثم ماتا ففي كل واحد منهما حالة الاجتماع ما فيه حال الانفراد لما ذكرنا في الجنين الحر فإن ألقت أحدهما ميتا والآخر حيا ثم مات ففي كل واحد منهما ما هو ضمانه حالة الانفراد لما مر فإن ماتت الأم من الضرب وخرج الجنين بعد ذلك حيا ثم مات فعليه قيمتان قيمة في الأم وقيمة في الجنين ، وإن خرج الجنين ميتا بعد موت الأم فعليه في الأم القيمة ولا شيء عليه في الجنين لما ذكرنا ، والأصل أن في كل موضع يجب في الجنين الحر الغرة ففي الرقيق نصف عشر قيمته إن كان ذكرا وعشر قيمته إن كان أنثى ، وكل موضع يجب في المضروبة - إذا كانت حرة - الدية ففي الأمة القيمة ، وفي كل موضع لا يجب في الجنين هناك شيء لا يجب هنا شيء أيضا لما ذكرنا في جانب الحر من غير تفاوت إلا أن الواجب في جنين الأمة يكون في مال الضارب يؤخذ منه حالا ولا تتحمله العاقلة ، والواجب في جنين الحرة يكون على العاقلة لأن تحمل العاقل ثبت بخلاف القياس بالنص ، والنص ورد بالتحمل في الغرة في جنين الحرة فبقي الحكم في جنين الأمة على أصل القياس ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية