الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 328 ] [ تنبيهات ] الأول قد تقرر من جعل التغيير من أركان الاشتقاق وجود التغيير في كل مشتق بالنسبة إلى أصله ، وقد نجد أفعالا من مصادر من غير تغير ظاهر فيها ، كطلب من الطلب ، وغلب من الغلب ، وجلب من الجلب ، فإنها مساوية لمصادرها في الحروف والصيغ بلا تفاوت مع اشتقاقها منها ، وذلك : يقدح في كون التغيير ركنا للاشتقاق ، لامتناع تحقق الشيء بدون ركنه ، وحله : أن التغيير وإن لم يكن موجودا ظاهرا لكنه مقدر ، كما سبق تقريره .

                                                      وأجاب رضي الدين بن جعفر بأن حركة الإعراب ساقطة الاعتبار في الاشتقاق غير معتد بها تغييرا ، إذ الاشتقاق إنما هو من صيغة المصدر بني عليها وحركة الإعراب طارئة على الصيغة بعد تمامها منتقلة غير قادرة ، وأما حركة البناء في آخر الفعل الماضي فإنها لثباتها ولزومها وبناء الكلمة عليها من أول وهلة صارت داخلة في صيغة الفعل جارية مجرى حركة أوله وحشوه فاعتد بها في الاشتقاق ، وجعل التغيير بها زيادة ونقصانا ، وإنما نبهنا على هذا ، لأنهم لم يعتدوا بحركة الإعراب ، واعتدوا بحركة البناء ، وجعل التغيير بها زيادة ونقصانا .

                                                      مثال الزيادة : طلب من الطلب ، لأنهم مثلوه لزيادة الحركة ، فإن طلب اعتد بحركة الباء في آخره زيادة لكونها حركة بناء ، ولم يعتدوا بالحركة التي في آخر المصدر ، وهو الطلب لكونها حركة إعراب .

                                                      ومثال النقصان : حذر اسم فاعل من حذر ، نقص من اسم الفاعل حركة البناء التي كانت في الفعل فقد يظن ظان من اعتبارهم التغيير اللاحق للمشتق استلزم حصول التغيير في كل مشتق بالنسبة إلى أصله مع أنه نحن نجد أفعالا مأخوذة من المصادر من غير تغيير ظاهر فيها ، كطلب ، من [ ص: 329 ] الطلب ، وحذر من الحذر فإن هذه الأفعال مساوية لهذه المصادر وأنه يقدح في كون التغيير ركنا في الاشتقاق .

                                                      وجوابه : أن حركة الإعراب غير معتد بها ، وحركة البناء معتد بها

                                                      ونازعه الشيخ جمال الدين بن الشريشي ، وقال : حركة الإعراب كما لا يعتد بها في صيغة الكلمة وبنيتها فكذلك حركة البناء ، لأن كل واحدة منهما طارئة على الكلمة بعد حصول صيغتها وتقرير بنيتها إن كانت لها بنية ، وإنما يفترقان في أن حركة الإعراب تتغير عند تغير العامل ، ألا ترى أنك تقول : خرج زيد خرج عمرو فلا يتغير آخر خرج ، وإن دخل عليه العامل ، وتقول : خرجت ودخلت بتغير آخره لاتصال الضمير به مع أن أحدا من النحاة لا يقول : إن بنية الفعل تغيرت ؟ فعلم أن حركة لام الكلمة أو سكونها غير معتد بها في بنية الكلمة ، فلا يعد وجودها زيادة ولا زوالها نقصا . وقوله : إن الفعل الماضي بني في أول وهلة على الحركة ممنوع ، بل كان يجب أن يكون ساكنا كما هو الأصل ، ولكن بني على حركة لعلة أخرى غير الاشتقاق ، وهي جواز وقوعه موقع المعرب بخلاف فعل الأمر ، فعلم أن حركة البناء في الفعل طارئة عليه بعد حصول بنيته ، وإذا كانت حركة الإعراب غير معتد بها في بنية الكلمة لكونها طارئة ومتغيرة فكذلك حركة البناء ، ولا يكون ثبوتها في الفعل زيادة في الصيغة ، ولا زوالها نقصا فيها .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية