الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 144 ] تنبيهات .

الأول : هل يقال : إن معنى الاستفهام في هذه الأشياء موجود ، وانضم إليه معنى آخر ، أو تجرد عن الاستفهام بالكلية ؟ قال في " عروس الأفراح " : محل نظر ، قال : والذي يظهر الأول .

قال : ويساعده قول التنوخي في " الأقصى القريب " : إن لعل تكون للاستفهام مع بقاء الترجي . قال : ومما يرجحه أن الاستبطاء في قولك : كم أدعوك ؟ معناه : أن الدعاء وصل إلى حد لا أعلم عدده ، فأنا أطلب أن أعلم عدده ، والعادة تقتضي بأن الشخص إنما يستفهم عن عدد ما صدر منه إذا كثر فلم يعلمه ، وفي طلب فهم عدده ما يشعر بالاستبطاء .

وأما التعجب فالاستفهام معه مستمر ، فمن تعجب من شيء فهو بلسان الحال سائل عن سببه ، فكأنه يقول : أي شيء عرض لي في حال عدم رؤية الهدهد ! وقد صرح في الكشاف ببقاء الاستفهام في هذه الآية .

وأما التنبيه على الضلال فالاستفهام فيه حقيقي ؛ لأن معنى ( أين تذهب ؟ ) : أخبرني إلى أي مكان تذهب ، فإني لا أعرف ذلك ؟ وغاية الضلال لا يشعر بها إلى أين تنتهي .

وأما التقرير : فإن قلنا : المراد به الحكم بثبوته ، فهو خبر بأن المذكور عقيب الأداة واقع ، أو طلب إقرار المخاطب به مع كون السائل يعلم ، فهو استفهام يقرر المخاطب ؛ أي : يطلب منه أن يكون مقرا به . وفي كلام الفن ما يقتضي الاحتمالين والثاني أظهر .

وفي الإيضاح تصريح به ، ولا بدع في صدور الاستفهام ممن يعلم المستفهم عنه ؛ لأنه طلب الفهم ، إما طلب فهم المستفهم أو وقوع فهم لمن لم يفهم كائنا من كان ، وبهذا تنحل إشكالات كثيرة في مواقع الاستفهام ، ويظهر بالتأمل بقاء معنى الاستفهام مع كل أمر من الأمور المذكورة . انتهى ملخصا .

[ ص: 145 ] الثاني : القاعدة أن المنكر يجب أن يلي الهمزة ، وأشكل عليها قوله تعالى : أفأصفاكم ربكم بالبنين [ الإسراء : 40 ] ، فإن الذي يليها هنا الإصفاء بالبنين وليس هو المنكر ؛ إنما المنكر قولهم : ( إنه اتخذ من الملائكة إناثا ) .

وأجيب : بأن لفظ الإصغاء مشعر بزعم أن البنات لغيرهم ، أو بأن المراد مجموع الجملتين ، وينحل منهما كلام واحد .

والتقدير : أجمع بين الإصفاء بالبنين واتخاذ البنات ؟ وأشكل منه قوله : أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم [ البقرة : 44 ] ، ووجه الإشكال أنه لا جائز أن يكون المنكر أمر الناس بالبر فقط كما تقتضيه القاعدة المذكورة ؛ لأن أمر البر ليس مما ينكر ، ولا نسيان النفس فقط ؛ لأنه يصير ذكر أمر الناس بالبر لا مدخل له ، ولا مجموع الأمرين ؛ لأنه يلزم أن تكون العبادة جزء المنكر ، ولا نسيان النفس بشرط الأمر ؛ لأن النسيان منكر مطلقا ، ولا يكون نسيان النفس حال الأمر أشد منه حال عدم الأمر ؛ لأن المعصية لا تزداد بشاعتها بانضمامها إلى الطاعة ؛ لأن جمهور العلماء على أن الأمر بالبر واجب ، وإن كان الإنسان ناسيا لنفسه ، وأمره لغيره بالبر كيف يضاعف بمعصية نسيان ، ولا يأتي الخير بالشر ؟

قال في عروس الأفراح : ويجاب بأن فعل المعصية مع النهي عنها أفحش ؛ لأنها تجعل حال الإنسان كالمتناقض ، وتجعل القول كالمخالف للفعل ، ولذلك كانت المعصية مع العلم أفحش منها مع الجهل . قال : ولكن الجواب على أن الطاعة الصرفة كيف تضاعف المعصية المقارنة لها من جنسها ؟ فيه دقة .

التالي السابق


الخدمات العلمية