إذا تمهد هذا فلنشرع في تفسير الآيات ، ونقول أولا : إن وجه اتصالها بما قبلها هو أنه - تعالى - نهاهم في تلك عن اتخاذ بطانة من الأعداء المعروفين بالعداوة لهم ، وأعلمهم ببعضهم إياهم وإن خادعهم أفراد منهم بدعوى الإيمان ، وأنهم إن يصبروا ويتقوا ما يجب اتقاؤه لا يضرهم كيدهم شيئا ، وبعد هذا البيان ذكرهم في هذه الآيات بوقعة
أحد وما كان فيها من كيد المنافقين إذ قالوا ما قالوا أولا وآخرا ، وإذ خرجوا ثم انشقوا ورجعوا ليخذلوا المؤمنين ويوقعوا الفشل فيهم ، ومن كيد المشركين وتألبهم الذي لم يكن له من دافع إلا الصبر حتى عن الغنيمة التي طمع فيها الرماة فتركوا موقعهم وإلا التقوى ، ومنها - بل أهمها - طاعة الرسول فيما أمر به هؤلاء الرماة ، وذكرهم أيضا بوقعة
بدر إذ نصرهم على قلتهم بصبرهم وتقواهم . قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=121nindex.php?page=treesubj&link=28974وإذ غدوت من أهلك أي واذكر بعد هذا يا
محمد إذ خرجت من بيت أهلك غدوة ، وذلك سحر يوم السبت سابع شوال من سنة ثلاث للهجرة
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=121nindex.php?page=treesubj&link=28974_30793تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال أي توطنهم وتنزلهم أماكن ومواضع في الشعب من
أحد لأجل القتال فيها ، فمنها موضع للرماة وموضع للفرسان وموضع لسائر المؤمنين ، فالمقاعد : جمع مقعد وهو في الأصل مكان القعود كالمجلس لمكان الجلوس والمقام لمكان القيام ، ثم استعملت هذه الألفاظ كلها بمعنى المكان توسعا . وقيل : تبوئة المقاعد تسويتها وتهيئتها
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=121والله سميع عليم لم يخف عنه شيء مما قيل في مشاورتك لمن معك في أمر الخروج إلى لقاء المشركين في
أحد أو انتظارهم في
المدينة ، فهو قد سمع أقوال المشيرين وعلم نية كل قائل ، وأن منهم المخلص في قوله وإن أخطأ في رأيه كالقائلين بالخروج إليهم ، ومنهم غير المخلص في قوله - وإن كان صوابا -
كعبد الله بن أبي ومن معه من المنافقين ، ويصح أن يكون الوصفان الكريمان متعلقا للظرف في الآية التالية - كما نبينه في تفسيرها .
وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير إلى أن الخطاب في هذه الآية للنبي ، والمراد به أصحابه ، يضرب لهم مثلا أو مثلين على صدق وعده في الآية السابقة
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=120وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا بتذكيرهم بما كان يوم
أحد من وقوع المصيبة بهم عند ترك الرماة الصبر والتقوى ، وذنب
[ ص: 90 ] الجماعة أو الأمة لا يكون عقابه قاصرا على من اقترفه بل يكون عاما ، وبما كان يوم
بدر إذ نصرهم على قلتهم وذلتهم ، وهذا الرأي يتفق مع ما ذكرناه في وجه الاتصال بين الآيات .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=122nindex.php?page=treesubj&link=28974إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : يعني بذلك جل ثناؤه والله سميع عليم حين همت طائفتان منكم أن تفشلا . والهم : حديث النفس وتوجهها إلى الشيء ، والفشل ضعف مع جبن . وقيل : إن هذا بدل من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=121وإذ غدوت وقيل : متعلق بـ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=121تبوئ أي كان - صلى الله عليه وسلم - يتخذ المعسكر للمؤمنين وينزل كل طائفة منهم منزلا في وقت همت فيه طائفتان منهم بالفشل افتتانا بكيد المنافقين الذين رجعوا من العسكر . والطائفتان هما
بنو سلمة وبنو حارثة من الأنصار - كما تقدم في القصة -
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=122والله وليهما أي متولي أمورهما لصدق إيمانهما ، لذلك صرف الفشل عنهما وثبتهما فلم يجيبا داعي الضعف الذي ألم بهما عند رجوع نحو ثلث العسكر بل تذكروا ولاية الله للمؤمنين فوثقا به وتوكلا عليه
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=122وعلى الله فليتوكل المؤمنون أمثالهم ، لا على حولهم وقوتهم ، ولا على أعوانهم وأنصارهم ، وإنما يبذلون حولهم وقوتهم ويأخذون أهبتهم وعدتهم إقامة لسنن الله - تعالى - في خلقه إذ جعل الأسباب مفضية إلى المسببات ، وهو الفاعل المسخر للسبب والمسبب والموفق بينهما ، فينصر الفئة القليلة على الكثيرة إن شاء كما نصر المؤمنين يوم
بدر ; ولذلك قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=123nindex.php?page=treesubj&link=28974_29313_29677ولقد نصركم الله ببدر وهو ماء أو بئر بين
مكة والمدينة كان لرجل اسمه
بدر فسمي باسمه ثم أطلق اللفظ على المكان الذي هو فيه . وقد كانت فيه أول غزوة قاتل فيها النبي المشركين في 17 رمضان من السنة الثانية من الهجرة فنصره الله عليهم نصرا مؤزرا
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=123وأنتم أذلة أي نصركم في حالة ذلة كنتم فيها على قلتكم - كما يفيده لفظ أذلة ، إذ هو جمع قلة - وقد كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا . والمراد بكونهم أذلة أنهم لا منعة لهم إذ كانوا قليلي العدة من السلاح والظهر ( أي ما يركب ) والزاد . ولا غضاضة في الذل إلا إذا كان عن قهر من البغاة والظالمين ، ولم يكن المؤمنون بمقهورين ولا مستذلين من الكافرين وإنما كانت قوتهم في أوائل تكونها
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=123فاتقوا الله لعلكم تشكرون فإن التقوى هي التي تعدكم للقيام في مقام الشكر على النعم التي يسديكم إياها ، فمن لم يرض نفسه بالتقوى غلب عليه اتباع الهوى فلا يرجى له أن يكون شاكرا يصرف النعمة إلى ما وهبت لأجله من الحكم والمنافع .
إِذَا تَمَهَّدَ هَذَا فَلْنَشْرَعْ فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ ، وَنَقُولُ أَوَّلًا : إِنَّ وَجْهَ اتِّصَالِهَا بِمَا قَبْلَهَا هُوَ أَنَّهُ - تَعَالَى - نَهَاهُمْ فِي تِلْكَ عَنِ اتِّخَاذِ بِطَانَةٍ مِنَ الْأَعْدَاءِ الْمَعْرُوفِينَ بِالْعَدَاوَةِ لَهُمْ ، وَأَعْلَمَهُمْ بِبَعْضِهِمْ إِيَّاهُمْ وَإِنْ خَادَعَهُمْ أَفْرَادٌ مِنْهُمْ بِدَعْوَى الْإِيمَانِ ، وَأَنَّهُمْ إِنْ يَصْبِرُوا وَيَتَّقُوا مَا يَجِبُ اتِّقَاؤُهُ لَا يَضُرُّهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ، وَبَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ ذَكَّرَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ بِوَقْعَةِ
أُحُدٍ وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ كَيْدِ الْمُنَافِقِينَ إِذْ قَالُوا مَا قَالُوا أَوَّلًا وَآخِرًا ، وَإِذْ خَرَجُوا ثُمَّ انْشَقُّوا وَرَجَعُوا لِيَخْذُلُوا الْمُؤْمِنِينَ وَيُوقِعُوا الْفَشَلَ فِيهِمْ ، وَمِنْ كَيْدِ الْمُشْرِكِينَ وَتَأَلُبِّهِمُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ دَافِعٍ إِلَّا الصَّبْرُ حَتَّى عَنِ الْغَنِيمَةِ الَّتِي طَمِعَ فِيهَا الرُّمَاةُ فَتَرَكُوا مَوْقِعَهُمْ وَإِلَّا التَّقْوَى ، وَمِنْهَا - بَلْ أَهَمُّهَا - طَاعَةُ الرَّسُولِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ هَؤُلَاءِ الرُّمَاةَ ، وَذَكَّرَهُمْ أَيْضًا بِوَقْعَةِ
بَدْرٍ إِذْ نَصَرَهُمْ عَلَى قِلَّتِهِمْ بِصَبْرِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ . قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=121nindex.php?page=treesubj&link=28974وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ أَيْ وَاذْكُرْ بَعْدَ هَذَا يَا
مُحَمَّدُ إِذْ خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِ أَهْلِكَ غَدْوَةً ، وَذَلِكَ سَحَرَ يَوْمِ السَّبْتِ سَابِعَ شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ لِلْهِجْرَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=121nindex.php?page=treesubj&link=28974_30793تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ أَيْ تُوَطِّنُهُمْ وَتُنْزِلُهُمْ أَمَاكِنَ وَمَوَاضِعَ فِي الشِّعْبِ مِنْ
أُحُدٍ لِأَجْلِ الْقِتَالِ فِيهَا ، فَمِنْهَا مَوْضِعٌ لِلرُّمَاةِ وَمَوْضِعٌ لِلْفُرْسَانِ وَمَوْضِعٌ لِسَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَالْمَقَاعِدُ : جَمْعُ مَقْعَدٍ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَكَانُ الْقُعُودِ كَالْمَجْلِسِ لِمَكَانِ الْجُلُوسِ وَالْمَقَامِ لِمَكَانِ الْقِيَامِ ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا بِمَعْنَى الْمَكَانِ تَوَسُّعًا . وَقِيلَ : تَبْوِئَةُ الْمَقَاعِدِ تَسْوِيَتُهَا وَتَهْيِئَتُهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=121وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ لَمْ يَخْفَ عَنْهُ شَيْءٌ مِمَّا قِيلَ فِي مُشَاوَرَتِكَ لِمَنْ مَعَكَ فِي أَمْرِ الْخُرُوجِ إِلَى لِقَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي
أُحُدٍ أَوِ انْتِظَارِهِمْ فِي
الْمَدِينَةِ ، فَهُوَ قَدْ سَمِعَ أَقْوَالَ الْمُشِيرِينَ وَعَلِمَ نِيَّةَ كُلِّ قَائِلٍ ، وَأَنَّ مِنْهُمُ الْمُخْلِصَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي رَأْيِهِ كَالْقَائِلِينَ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ ، وَمِنْهُمْ غَيْرُ الْمُخْلِصِ فِي قَوْلِهِ - وَإِنْ كَانَ صَوَابًا -
كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفَانِ الْكَرِيمَانِ مُتَعَلِّقًا لِلظَّرْفِ فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ - كَمَا نُبَيِّنُهُ فِي تَفْسِيرِهَا .
وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ إِلَى أَنَّ الْخِطَابَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلنَّبِيِّ ، وَالْمُرَادَ بِهِ أَصْحَابُهُ ، يَضْرِبُ لَهُمْ مَثَلًا أَوْ مَثَلَيْنِ عَلَى صِدْقِ وَعْدِهِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=120وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا بِتَذْكِيرِهِمْ بِمَا كَانَ يَوْمَ
أُحُدٍ مِنْ وُقُوعِ الْمُصِيبَةِ بِهِمْ عِنْدَ تَرْكِ الرُّمَاةِ الصَّبْرَ وَالتَّقْوَى ، وَذَنْبُ
[ ص: 90 ] الْجَمَاعَةِ أَوِ الْأُمَّةِ لَا يَكُونُ عِقَابُهُ قَاصِرًا عَلَى مَنِ اقْتَرَفَهُ بَلْ يَكُونُ عَامًّا ، وَبِمَا كَانَ يَوْمَ
بَدْرٍ إِذْ نَصَرَهُمْ عَلَى قِلَّتِهِمْ وَذِلَّتِهِمْ ، وَهَذَا الرَّأْيُ يَتَّفِقُ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي وَجْهِ الِاتِّصَالِ بَيْنَ الْآيَاتِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=122nindex.php?page=treesubj&link=28974إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ : يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ حِينَ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا . وَالْهَمُّ : حَدِيثُ النَّفْسِ وَتَوَجُّهُهَا إِلَى الشَّيْءِ ، وَالْفَشَلُ ضَعْفٌ مَعَ جُبْنٍ . وَقِيلَ : إِنَّ هَذَا بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=121وَإِذْ غَدَوْتَ وَقِيلَ : مُتَعَلِّقٌ بِـ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=121تُبَوِّئُ أَيْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَّخِذُ الْمُعَسْكَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُنْزِلُ كُلَّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ مَنْزِلًا فِي وَقْتٍ هَمَّتْ فِيهِ طَائِفَتَانِ مِنْهُمْ بِالْفَشَلِ افْتِتَانًا بِكَيْدِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ رَجَعُوا مِنَ الْعَسْكَرِ . وَالطَّائِفَتَانِ هُمَا
بَنُو سَلِمَةَ وَبَنُو حَارِثَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ - كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقِصَّةِ -
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=122وَاللَّهُ وَلِيُهُمَّا أَيْ مُتَوَلِّي أُمُورِهِمَا لِصِدْقِ إِيمَانِهِمَا ، لِذَلِكَ صَرَفَ الْفَشَلَ عَنْهُمَا وَثَبَّتَهُمَا فَلَمْ يُجِيبَا دَاعِيَ الضَّعْفِ الَّذِي أَلَمَّ بِهِمَا عِنْدَ رُجُوعِ نَحْوِ ثُلُثِ الْعَسْكَرِ بَلْ تَذَكَّرُوا وِلَايَةَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ فَوَثِقَا بِهِ وَتَوَكَّلَا عَلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=122وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أَمْثَالُهُمْ ، لَا عَلَى حَوْلِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ ، وَلَا عَلَى أَعْوَانِهِمْ وَأَنْصَارِهِمْ ، وَإِنَّمَا يَبْذُلُونَ حَوْلَهُمْ وَقُوَّتَهُمْ وَيَأْخُذُونَ أُهْبَتَهُمْ وَعُدَّتَهُمْ إِقَامَةً لِسُنَنِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي خَلْقِهِ إِذْ جَعَلَ الْأَسْبَابَ مُفْضِيَةً إِلَى الْمُسَبِّبَاتِ ، وَهُوَ الْفَاعِلُ الْمُسَخِّرُ لِلسَّبَبِ وَالْمُسَبِّبِ وَالْمُوَفِّقُ بَيْنَهُمَا ، فَيَنْصُرُ الْفِئَةَ الْقَلِيلَةَ عَلَى الْكَثِيرَةِ إِنْ شَاءَ كَمَا نَصَرَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ
بَدْرٍ ; وَلِذَلِكَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=123nindex.php?page=treesubj&link=28974_29313_29677وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَهُوَ مَاءٌ أَوْ بِئْرٌ بَيْنَ
مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ كَانَ لِرَجُلٍ اسْمُهُ
بَدْرٌ فَسُمِّيَ بِاسْمِهِ ثُمَّ أَطْلَقَ اللَّفْظَ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ . وَقَدْ كَانَتْ فِيهِ أَوَّلُ غَزْوَةٍ قَاتَلَ فِيهَا النَّبِيُّ الْمُشْرِكِينَ فِي 17 رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيةِ مِنَ الْهِجْرَةِ فَنَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَصْرًا مُؤَزَّرًا
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=123وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ أَيْ نَصَرَكُمْ فِي حَالَةِ ذِلَّةٍ كُنْتُمْ فِيهَا عَلَى قِلَّتِكُمْ - كَمَا يُفِيدُهُ لَفْظُ أَذِلَّةٍ ، إِذْ هُوَ جَمْعُ قِلَّةٍ - وَقَدْ كَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا . وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِمْ أَذِلَّةً أَنَّهُمْ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ إِذْ كَانُوا قَلِيلِي الْعُدَّةِ مِنَ السِّلَاحِ وَالظَّهْرِ ( أي مَا يُرْكَبُ ) وَالزَّادِ . وَلَا غَضَاضَةَ فِي الذُّلِّ إِلَّا إِذَا كَانَ عَنْ قَهْرٍ مِنَ الْبُغَاةِ وَالظَّالِمِينَ ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُؤْمِنُونَ بِمَقْهُورِينَ وَلَا مُسْتَذَلِّينَ مِنَ الْكَافِرِينَ وَإِنَّمَا كَانَتْ قُوَّتُهُمْ فِي أَوَائِلِ تَكَوُّنِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=123فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فَإِنَّ التَّقْوَى هِيَ الَّتِي تُعِدُّكُمْ لِلْقِيَامِ فِي مَقَامِ الشُّكْرِ عَلَى النِّعَمِ الَّتِي يُسْدِيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ بِالتَّقْوَى غَلَبَ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ الْهَوَى فَلَا يُرْجَى لَهُ أَنْ يَكُونَ شَاكِرًا يَصْرِفُ النِّعْمَةَ إِلَى مَا وُهِبَتْ لِأَجْلِهِ مِنَ الْحِكَمِ وَالْمَنَافِعِ .