الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( والواجب صاع بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لحديث ابن عمر قال : { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير } والصاع : خمسة أرطال وثلث ( بالبغدادي ) ; لما روى عمر بن حبيب القاضي قال : " حججت مع أبي جعفر ، فلما قدم المدينة قال : ائتوني بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعايره فوجده خمسة أرطال وثلثا برطل أهل العراق " ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث ابن عمر رواه البخاري ومسلم ، وأما الحكاية المذكورة عن عمر بن حبيب قاضي البصرة فضعيفة ، وقد اتفق المحدثون [ ص: 89 ] على تضعيف عمر بن حبيب هذا ، ونسبه ابن معين إلى الكذب . وقد أوضحت في " تهذيب الأسماء وقوله : ( فعايره ) أي اعتبره ، وقال أهل اللغة : يقال : عايرت المكيال والميزان وعاورته إذا اعتبرته ، ولا يقال : عيرته ، ( وأما الأحكام ) فقد اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أن الواجب في الفطرة عن كل إنسان صاع بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خمسة أرطال وثلث بالبغدادي ، ومن أي جنس أخرجه ، سواء الحنطة وغيرها ، ورطل بغداد مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، وقيل : مائة وثمانية وعشرون درهما بغير أسباع . وقيل : مائة وثلاثون درهما ، وبه قطع الغزالي والرافعي ، والأول : أصح وأقوى ، قال صاحب " الشامل " وغيره : الأصل فيه الكيل ، وإنما قدره العلماء بالوزن استظهارا ، ( قلت ) : قد يستشكل ضبط الصاع بالأرطال ، فإن الصاع المخرج به في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم مكيال معروف ، ويختلف قدره وزنا باختلاف ما يوضع فيه كالذرة والحمص وغيرهما ، فإن أوزان هذه مختلفة ، [ ص: 90 ] وقد تكلم جماعات من العلماء في هذه المسألة ، فأحسنهم فيها كلاما الإمام أبو الفرج الدارمي من أصحابنا ، فإنه صنف فيها مسألة مستقلة ، وكان كثير الاعتناء بتحقيق أمثال هذه ، ومختصر كلامه أن الصواب : أن الاعتماد في ذلك على الكيل دون الوزن ، وأن الواجب إخراج صاع معاير بالصاع الذي كان يخرج به في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك الصاع موجود ومن لم يجده وجب عليه الاستظهار ، بأن يخرج ما يتيقن أنه لا ينقص عنه ، وعلى هذا فالتقدير بخمسة أرطال وثلث تقريب . هذا كلام الدارمي .

                                      وذكر البندنيجي نحوه ، وقال جماعة من العلماء : الصاع أربع حفنات بكفي رجل معتدل الكفين ، ونقل الحافظ عبد الحق في كتابه " الأحكام " عن أبي محمد علي بن حزم أنه قال : وجدنا أهل المدينة لا يختلف منهم اثنان في أن مد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يؤدي به الصدقات ليس بأكثر من رطل ونصف ولا دون رطل وربع ، وقال بعضهم : هو رطل وثلث قال : وليس هذا اختلافا ، ولكنه على حسب رزانة المكيل من البر والتمر والشعير ، قال : وصاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث وهو صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم .




                                      الخدمات العلمية