الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3973 [ 2040 ] وعن أسماء: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن لي ضرة، فهل علي جناح أن أتشبع من مال زوجي بما لم يعطني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور.

                                                                                              رواه أحمد (6 \ 345) والبخاري (5219) ومسلم (2130) وأبو داود (4997).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقولها: ( هل علي جناح أن أتشبع من مال زوجي بما لم يعطني؟ ) سألته: هل يجوز لها أن تظهر لضرتها أن زوجها قد مكنها، أو أعطاها من ماله أكثر مما تستحقه، أو أكثر مما أعطى ضرتها; افتخارا عليها، وإيهاما لها أنها عنده أحظى منها، فأجابها - صلى الله عليه وسلم - بما يقتضي المنع من ذلك، فقال: ( المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ) وأصل التشبع: تفعل من الشبع، وهو الذي يظهر الشبع وليس بشبعان. وكثيرا ما تأتي هذه الصيغة بمعنى التعاطي كالتكبر والتصنع.

                                                                                              ويفهم من هذا الكلام: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى المرأة عن أن تتظاهر وتتكاثر بما لم يعطها زوجها; لأنه شبه فعلها ذلك بما ينتهى عنه، وهو: أن يلبس الإنسان ثوبين زورا. واختلف المتأولون: هل الثوبان محمولان على الحقيقة أو على المجاز؟ على قولين:

                                                                                              فعلى الأول يكون معناه: أنه شبهها بمن أخذ ثوبين لغيره بغير إذنه، فلبسهما مظهرا أن له ثيابا ليس مثلها للمظهر له. وقيل: بل شبهها بمن يلبس ثياب الزهاد، وليس بزاهد.

                                                                                              [ ص: 452 ] وعلى الوجه الثاني: قال الخطابي : إن ذكر الثوبين هنا كناية عن حاله ومذهبه. والعرب تكني بالثوب عن حال لابسه. والمعنى: أنه بمنزلة الكاذب القائل ما لم يكن. وقيل: هو الرجل في الحي تكون له هيئة، فإذا احتيج إليه في شهادة زور شهد بها، فلا يرد لأجل هيئته، وحسن ثوبه. فأضيفت شهادة الزور إلى ثوبه; إذ كان سببها.

                                                                                              قلت: وأي شيء من هذه الوجوه كان المقصود، فيحصل منه: أن تشبع المرأة على ضرتها بما لم يعطها زوجها محرم; لأنه شبه بمحرم، وإنما كان ذلك محرما; لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، ورياء، وأذى للضرة من نسبة الزوج إلى أنه آثرها عليها، وهو لم يفعل، وكل ذلك محرم.




                                                                                              الخدمات العلمية