الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      2110 حدثنا إسحق بن جبرائيل البغدادي أخبرنا يزيد أخبرنا موسى بن مسلم بن رومان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقا أو تمرا فقد استحل قال أبو داود رواه عبد الرحمن بن مهدي عن صالح بن رومان عن أبي الزبير عن جابر موقوفا ورواه أبو عاصم عن صالح بن رومان عن أبي الزبير عن جابر قال كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نستمتع بالقبضة من الطعام على معنى المتعة قال أبو داود رواه ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر على معنى أبي عاصم

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( ملء كفيه سويقا ) : هو دقيق القمح المقلو أو الذرة أو الشعير أو غيرها ( فقد استحل ) : الضمير المرفوع يرجع إلى من والمفعول محذوف أي فقد جعلها حلالا . قال الخطابي في المعالم : فيه دليل على أن أقل المهر وأدناه غير مؤقت بشيء معلوم ، وإنما هو على ما تراضيا به المتناكحان . وقد اختلف الفقهاء في ذلك فقال سفيان الثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق : لا توقيت في أقل المهر وأدناه وهو ما تراضوا به . وقال سعيد بن المسيب : لو أصدقها سوطا لحلت له . وقال مالك : أقل المهر ربع دينار . وقال أصحاب الرأي أقله عشرة دراهم وقدروه بما يقطع فيه يد السارق عندهم ، وزعموا أن كل واحد منهما إتلاف عضو انتهى . قلت : وقال سعيد بن جبير : أقله خمسون درهما . وقال النخعي : أربعون . وقال ابن شبرمة : خمسة دراهم . واستدل الأولون بأحاديث الباب وبحديث الخاتم الذي سيأتي وبحديث عامر بن ربيعة . أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال [ ص: 112 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرضيت من نفسك ومالك بنعلين ؟ قالت : نعم فأجازه " رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه وبحديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " أدوا العلائق قيل ما العلائق قال ما تراضى عليه الأهلون ولو كان قضيبا من أراك " وفي بعض هذه الأحاديث ضعف لكن حديث الخاتم وحديث نواة الذهب من أحاديث الصحيحين وفيهما كفاية لإثبات المطلوب ، وليس على الأقوال الباقية دليل يدل على أن الأقل هو أحدها لا دونه . ومجرد موافقة مهر من المهور الواقعة في عصر النبوة الواحد منها كحديث النواة من الذهب فإنه موافق لقول ابن شبرمة ولقول مالك على حسب الاختلاف في تفسيرها لا يدل على أنه المقدار الذي لا يجزئ دونه إلا مع التصريح بأنه لا يجزئ دون ذلك المقدار ولا تصريح . فالراجح ما ذهب إليه الأولون . فكل ما له قيمة صح أن يكون مهرا قليلا كان أو كثيرا والله تعالى أعلم بالصواب .

                                                                      فإن قلت : روى الدارقطني في سننه عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تنكحوا النساء إلا الأكفاء ولا يزوجهن إلا الأولياء ولا مهر دون عشرة دراهم " ففي هذا الحديث دلالة ظاهرة على ما ذهب إليه الحنفية إذ فيه تصريح بأن لا مهر دون عشرة دراهم .

                                                                      قلت : قال الدارقطني بعد إخراج هذا الحديث : مبشر بن عبيد متروك الحديث أحاديثه لا يتابع عليها انتهى . وقال أخونا العلامة في التعليق المغني الحديث أخرجه البيهقي في سننه ، وأسند البيهقي في المعرفة عن أحمد بن حنبل أنه قال : أحاديث مبشر بن عبيد موضوعة كذب انتهى . قال ابن القطان في كتابه : وهو كما قال . ورواه أبو يعلى عن مبشر بن عبيد عن أبي الزبير عن جابر فذكر نحوه وعن أبي يعلى رواه ابن حبان في الضعفاء وقال مبشر يروي عن الثقات الموضوعات لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب انتهى . ورواه ابن عدي والعقيلي وأعلاه بمبشر بن عبيد وأسند العقيلي عن أحمد أنه وصفه بالوضع والكذب انتهى . وقال البيهقي : هذا حديث ضعيف قاله الزيلعي انتهى .

                                                                      قال المنذري : في إسناده موسى بن مسلم وهو ضعيف ( نستمتع بالقبضة ) : بضم القاف وفتحها والضم أفصح . قال الجوهري : القبضة بالضم ما قبضت عليه من شيء ، يقال أعطاه قبضة من تمر أو سويق قال [ ص: 113 ] وربما يفتح ( قال أبو داود رواه ابن جريج عن أبي الزبير إلخ ) : قال المنذري : هذا الذي ذكره أبو داود معلقا قد أخرجه مسلم في صحيحه من حديث ابن جريج عن أبي الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله يقول كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقال أبو بكر البيهقي : وهذا وإن كان في نكاح المتعة ونكاح المتعة صار منسوخا فإنما نسخ منه شرط الأجل ، فأما ما يجعلونه صداقا فإنه لم يرد فيه النسخ انتهى .




                                                                      الخدمات العلمية