الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فأما إذا وهب المسروق منه المال من السارق أو باعه منه فإن كان قبل قضاء القاضي بالقطع سقط القطع عنه لانقطاع خصومته ، وإن كان بعد القضاء ، فكذلك عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى إنه لا يسقط القطع عنه ، وهو قول الشافعي رحمه الله وحجتهما حديث صفوان رضي الله عنه { فإنه كان نائما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم متوسدا بردائه فجاء سارق وسرق رداءه فاتبعه حتى أخذه فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه فقال : أتقطعه بسبب ردائي ؟ وهبتها له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلا قبل أن تأتيني } فهذا يدل على أن الهبة بعد القضاء لا تسقط القطع ، ولأن هذا حد الله تعالى خالصا ، فإذا وجب بتقرر سببه لا يمتنع استيفاؤه لملك عارض في المحل كحد الزنا ، فإن من زنى بامرأة ثم تزوجها لم يسقط الحد عنه ، وهذا ; لأن [ ص: 187 ] وجوب القطع باعتبار الملك والعصمة وقت السرقة والهبة توجب ملكا حادثا ، ولا أثر لها فيما وجب القطع باعتباره بخلاف ما إذا أقر بالملك للسارق ; لأن في إقراره احتمال الصدق وبهذا الاحتمال تبين أن الملك كان للسارق عند السرقة ، وذلك مانع تقرر فعل السرقة بخلاف ما إذا كانت الهبة قبل المرافعة ; لأن هناك لا يظهر عند الإمام لانقطاع حق المسروق منه ، فأما الآن ، فقد ظهرت السرقة عنده وتمكن من استيفاء القطع حقا لله تعالى فلا يمتنع الاستيفاء باعتراض الملك في المحل ، كما لا يمتنع الاستيفاء باعتراض الملك في الحرز أو برد المال بعد القضاء .

( وحجتنا ) فيه أن انتفاء ملك السارق عن المسروق شرط لوجوب القطع عليه وما يكون شرطا لوجوب القطع عليه يراعى قيامه إلى وقت الاستيفاء ; لأن المعترض بعد القضاء قبل الاستيفاء كالمقترن بأصل السبب بدليل العمى والخرس والردة والفسق في الشهود ، والدليل عليه أن انتفاء الأبوة لما كان شرطا لوجوب القصاص يشترط بقاؤه إلى وقت الاستيفاء حتى أن المعترض من الأبوة بعد القضاء قبل الاستيفاء مانع من الاستيفاء كالمقترن بأصل السبب ، وهذا ; لأن وجوب القطع باعتبار العين والملك ، وإن كان حادثا هاهنا فالعين الذي وجد فعل السرقة فيه عين ذلك

التالي السابق


الخدمات العلمية