[ ص: 143 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=28974_32266_28892سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ سُمِّيَتْ هَذِهِ السُّورَةُ ، فِي كَلَامِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَلَامِ الصَّحَابَةِ : سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ ، فَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ ، عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ : قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341042اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ : الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ وَفِيهِ عَنِ
النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ : قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيءَ يَقُولُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341378يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَرَوَى
الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ : أَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ : مَنْ قَرَأَ سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ ، وَسَمَّاهَا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، فِي حَدِيثِهِ فِي الصَّحِيحِ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341379بِتُّ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى إِذَا كَانَ نِصْفُ اللَّيْلِ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَرَأَ الْآيَاتِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ . وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهَا بِسُورَةِ آلِ عِمْرَانَ أَنَّهَا ذُكِرَتْ فِيهَا فَضَائِلُ آلِ
عِمْرَانَ ، وَهُوَ
عِمْرَانُ بْنُ مَاتَانَ أَبُو
مَرْيَمَ وَآلُهُ هُمْ زَوْجُهُ
حَنَّةُ ، وَأُخْتُهَا زَوْجَةُ
زَكَرِيَّاءَ النَّبِيءِ ،
وَزَكَرِيَّاءُ كَافِلُ
مَرْيَمَ إِذْ كَانَ أَبُوهَا
عِمْرَانُ تُوُفِّيَ وَتَرَكَهَا حَمْلًا فَكَفَلَهَا زَوْجُ خَالَتِهَا .
وَوَصَفَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالزَّهْرَاءِ فِي حَدِيثِ
أَبِي أُمَامَةَ الْمُتَقَدِّمِ .
وَذَكَرَ
الْأَلُوسِيُّ أَنَّهَا تُسَمَّى الْأَمَانَ ، وَالْكَنْزَ وَالْمُجَادِلَةَ ، وَسُورَةَ الِاسْتِغْفَارِ . وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ ، وَلَعَلَّهُ اقْتَبَسَ ذَلِكَ مِنْ أَوْصَافٍ وُصِفَتْ بِهَا هَذِهِ السُّورَةُ مِمَّا سَاقَهُ
الْقُرْطُبِيُّ ، فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ ، مِنْ تَفْسِيرِ أَوَّلِ السُّورَةِ .
وَهَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ
بِالْمَدِينَةِ بِالِاتِّفَاقِ ، بَعْدَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، فَقِيلَ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ لِسُورَةِ الْبَقَرَةِ عَلَى أَنَّ الْبَقَرَةَ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ
بِالْمَدِينَةِ ، وَقِيلَ : نَزَلَتْ
بِالْمَدِينَةِ سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ أَوَّلًا ، ثُمَّ الْبَقَرَةُ ، ثُمَّ نَزَلَتْ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ ، ثُمَّ نَزَلَتِ الْأَنْفَالُ فِي وَقْعَةِ
بَدْرٍ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ نَزَلَتْ قَبْلَ وَقْعَةِ
بَدْرٍ ، لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْأَنْفَالَ نَزَلَتْ فِي
[ ص: 144 ] وَقْعَةِ
بَدْرٍ ، وَيُبْعِدُ ذَلِكَ أَنَّ سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ اشْتَمَلَتْ عَلَى التَّذْكِيرِ بِنَصْرِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ
بَدْرٍ ، وَأَنَّ فِيهَا ذِكْرَ يَوْمِ
أُحُدٍ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا نَزَلَ مُتَأَخِّرًا . وَذَكَرَ
الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ ، عَنِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ أَوَّلَ هَذِهِ السُّورَةِ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=136وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ نَزَلَ بِسَبَبِ وَفْدِ
نَجْرَانَ ، وَهُوَ وَفْدُ
السَّيِّدِ وَالْعَاقِبِ ، أَيْ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالُوا : نَزَلَتْ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ بَعْدَ سُورَةِ الْأَنْفَالِ ، وَكَانَ نُزُولُهَا فِي وَقْعَةِ
أُحُدٍ ، أَيْ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ ، وَهَذَا أَقْرَبُ ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=121وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ أَنَّهُ قِتَالُ يَوْمِ
أُحُدٍ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَإِنَّهُ مُشِيرٌ إِلَى الْإِرْجَافِ يَوْمَ
أُحُدٍ بِقَتْلِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهَا نَزَلَ بَعْدَ الْبَقَرَةِ إِلَى نِهَايَةِ مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ حَدِيثِ وَفْدِ
نَجْرَانَ ، وَذَلِكَ مِقْدَارُ ثَمَانِينَ آيَةً مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=121وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ قَالَهُ
الْقُرْطُبِيُّ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ ، وَفِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ الْآيَةَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي صَدْرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ : إِنَّنَا بَيَّنَّا إِمْكَانَ تَقَارُنِ نُزُولِ سُوَرٍ عِدَّةٍ فِي مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ ، فَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ : نَزَلَتْ سُورَةُ كَذَا بَعْدَ سُورَةِ كَذَا ، مُرَادًا مِنْهُ أَنَّ الْمَعْدُودَةَ نَازِلَةً بَعْدَ أُخْرَى أَنَّهَا ابْتُدِئَ نُزُولُهَا بَعْدَ نُزُولِ الْأُخْرَى ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهَا ابْتُدِئَ نُزُولُهَا بَعْدَ ابْتِدَاءِ نُزُولِ الَّتِي سَبَقَتْهَا .
وَقَدْ عُدَّتْ هَذِهِ السُّورَةُ الثَّامِنَةَ وَالْأَرْبَعِينَ فِي عِدَادِ سُوَرِ الْقُرْآنِ .
وَعَدَدُ آيِهَا مِائَتَانِ فِي عَدِّ الْجُمْهُورِ وَعَدَدُهَا عِنْدَ أَهْلِ الْعَدَدِ
بِالشَّامِ مِائَةٌ وَتِسْعٌ وَتِسْعُونَ .
وَاشْتَمَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ ، مِنَ الْأَغْرَاضِ : عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالتَّنْوِيهِ بِالْقُرْآنِ ،
وَمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَتَقْسِيمِ آيَاتِ الْقُرْآنِ ، وَمَرَاتِبِ الْأَفْهَامِ فِي تَلَقِّيهَا ، وَالتَّنْوِيهِ بِفَضِيلَةِ الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُ لَا يَعْدِلُهُ دِينٌ ، وَأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ دِينٌ عِنْدَ اللَّهِ ، بَعْدَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ ، غَيْرَ الْإِسْلَامِ ، وَالتَّنْوِيهِ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، وَالْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّهُمَا أُنْزِلَا قَبْلَ الْقُرْآنِ تَمْهِيدًا لِهَذَا الدِّينِ فَلَا يَحِقُّ لِلنَّاسِ أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ، وَعَلَى التَّعْرِيفِ بِدَلَائِلِ إِلَهِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَانْفِرَادِهِ ، وَإِبْطَالِ ضَلَالَةِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّهِ : مَنْ جَعَلُوا لَهُ
[ ص: 145 ] شُرَكَاءَ ، أَوِ اتَّخَذُوا لَهُ أَبْنَاءَ ، وَتَهْدِيدِ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ أَمْرَهُمْ إِلَى زَوَالٍ ، وَأَلَّا يَغُرَّهُمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْبَذَخِ ، وَأَنَّ مَا أُعِدَّ لِلْمُؤْمِنِينَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَتَهْدِيدِهِمْ بِزَوَالِ سُلْطَانِهِمْ ، ثُمَّ الثَّنَاءِ عَلَى
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَآلِ بَيْتِهِ ، وَذِكْرِ مُعْجِزَةِ ظُهُورِهِ ، وَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ ، وَذِكْرِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ حَقًّا ، وَإِبْطَالِ إِلَهِيَّةِ
عِيسَى ، وَمِنْ ثَمَّ أَفْضَى إِلَى قَضِيَّةِ وَفْدِ
نَجْرَانَ وَلَجَاجَتِهِمْ ، ثُمَّ مُحَاجَّةِ أَهِلَ الْكِتَابَيْنِ فِي حَقِيقَةِ الْحَنِيفِيَّةِ وَأَنَّهُمْ بُعَدَاءُ عَنْهَا ، وَمَا أَخَذَ اللَّهُ مِنَ الْعَهْدِ عَلَى الرُّسُلِ كُلِّهِمْ : أَنْ يُؤْمِنُوا بِالرَّسُولِ الْخَاتَمِ ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ
الْكَعْبَةَ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ، وَقَدْ أَعَادَ إِلَيْهِ الدِّينَ الْحَنِيفَ كَمَا ابْتَدَأَهُ فِيهِ ، وَأَوْجَبَ حَجَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَظْهَرَ ضَلَالَاتِ
الْيَهُودِ ، وَسُوءَ مَقَالَتِهِمْ ، وَافْتِرَائِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَكِتْمَانِهِمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ . وَذَكَّرَ الْمُسْلِمِينَ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ بِدِينِ الْإِسْلَامِ ، وَأَمَرَهُمْ بِالِاتِّحَادِ وَالْوِفَاقِ ، وَذَكَّرَهُمْ بِسَابِقِ سُوءِ حَالِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَهَوَّنَ عَلَيْهِمْ تَظَاهُرَ مُعَانِدِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ ، وَذَكَّرَهُمْ بِالْحَذَرِ مِنْ كَيْدِهِمْ وَكَيْدِ الَّذِينَ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ ثُمَّ عَادُوا إِلَى الْكُفْرِ فَكَانُوا مَثَلًا لِتَمْيِيزِ الْخَبِيثِ مِنَ الطِّيبِ ، وَأَمَرَهُمْ بِالِاعْتِزَازِ بِأَنْفُسِهِمْ ، وَالصَّبْرِ عَلَى تَلَقِّي الشَّدَائِدِ ، وَالْبَلَاءِ ، وَأَذَى الْعَدُوِّ ، وَوَعَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ وَإِلْقَاءِ الرُّعْبِ مِنْهُمْ فِي نُفُوسِ عَدُوِّهِمْ ، ثُمَّ ذَكَّرَهُمْ بِيَوْمِ
أُحُدٍ ، وَيَوْمِ
بَدْرٍ ، وَضَرَبَ لَهُمُ الْأَمْثَالَ بِمَا حَصَلَ فِيهِمَا ، وَنَوَّهَ ، بِشَأْنِ الشُّهَدَاءِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ : مِنْ بَذْلِ الْمَالِ فِي مُوَاسَاةِ الْأُمَّةِ ، وَالْإِحْسَانِ ، وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ ، وَتَرْكِ الْبُخْلِ ، وَمَذَمَّةِ الرِّبَا وَخُتِمَتِ السُّورَةُ بِآيَاتِ التَّفْكِيرِ فِي مَلَكُوتِ اللَّهِ .
وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ قَضِيَّةُ وَفْدِ
نَجْرَانَ مِنْ بِلَادِ
الْيَمَنِ .
وَوَفْدُ
نَجْرَانَ هُمْ قَوْمٌ مِنْ
نَجْرَانَ بَلَغَهُمْ مَبْعَثُ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَكَانَ
أَهْلُ نَجْرَانَ مُتَدَيِّنِينَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ ، وَهُمْ مِنْ أَصْدَقِ الْعَرَبِ تَمَسُّكًا بِدِينِ
الْمَسِيحِ ، وَفِيهِمْ رُهْبَانٌ مَشَاهِيرُ ، وَقَدْ أَقَامُوا لِلْمَسِيحِيَّةِ كَعْبَةً بِبِلَادِهِمْ هِيَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا
الْأَعْشَى حِينَ مَدَحَهُمْ بِقَوْلِهِ :
فَكَعْبَةُ نَجْرَانَ حَتْمٌ عَلَيْـ ـكَ حَتَّى تُنَاخِي بِأَبْوَابِهَا
فَاجْتَمَعَ وَفْدٌ مِنْهُمْ يَرْأَسُهُ
الْعَاقِبُ - فِيهِ سِتُّونَ رَجُلًا - وَاسْمُهُ
عَبْدُ الْمَسِيحِ ، وَهُوَ أَمِيرُ الْوَفْدِ ، وَمَعَهُ
السَّيِّدُ وَاسْمُهُ الْأَيْهَمُ ، وَهُوَ ثِمَالُ الْقَوْمِ وَوَلِيُّ تَدْبِيرِ الْوَفْدِ ، وَمُشِيرُهُ وَذُو
[ ص: 146 ] الرَّأْيِ فِيهِ ، وَفِيهِمْ
أَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ الْبَكْرِيُّ وَهُوَ أُسْقُفُهُمْ وَصَاحِبُ مِدْرَاسِهِمْ وَوَلِيُّ دِينِهِمْ ، وَفِيهِمْ أَخُو
أَبِي حَارِثَةَ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ
نَجْرَانَ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ ذَا رُتْبَةٍ : شَرَّفَهُ مُلُوكُ
الرُّومِ وَمَوَّلُوهُ . فَلَقُوا النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَادَلَهُمْ فِي دِينِهِمْ ، وَفِي شَأْنِ أُلُوهِيَّةِ
الْمَسِيحِ ، فَلَمَّا قَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ أَصَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَكَابَرُوا ، فَدَعَاهُمُ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمُبَاهَلَةِ ، فَأَجَابُوا ثُمَّ اسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ ، وَتَخَلَّصُوا مِنْهُ ، وَرَجَعُوا إِلَى أَوْطَانِهِمْ ، وَنَزَلَتْ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ آيَةً مِنْ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي شَأْنِهِمْ كَمَا فِي سِيرَةِ
ابْنِ هِشَامٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنِ إِسْحَاقَ . وَذَكَرَ ذَلِكَ
الْوَاحِدِيُّ وَالْفَخْرُ ، فَمَنْ ظَنَّ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّ وَفْدَ
نَجْرَانَ وَفَدُوا فِي سَنَةِ تِسْعٍ فَقَدْ وَهِمَ وَهْمًا انْجَرَّ إِلَيْهِ مِنِ اشْتِهَارِ سَنَةِ تِسْعٍ بِأَنَّهَا سَنَةُ الْوُفُودِ . وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ مِنْ أَوَائِلِ الْمَدَنِيَّاتِ ، وَتَرْجِيحُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي وَفْدِ
نَجْرَانَ يُعَيِّنَانِ أَنَّ وَفْدَ
نَجْرَانَ كَانَ قَبْلَ سَنَةِ الْوُفُودِ .