الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4247 ) مسألة ; قال : ( ومن اكترى دابة إلى موضع ، فجاوزه ، فعليه الأجرة المذكورة ، وأجرة المثل لما جاوزه ، وإن تلفت فعليه أيضا قيمتها ) ( 4248 ) الكلام في هذه المسألة في فصلين : أحدهما : في الأجر الواجب ، وهو المسمى ، وأجر المثل للزائد . نص عليه أحمد ولا خلاف فيه بين أصحابنا ، ذكر القاضي ذلك . وروى الأثرم

                                                                                                                                            [ ص: 291 ] بإسناده عن أبي الزناد ، أنه ذكر فقهاء المدينة السبعة ، وقال : ربما اختلفوا في الشيء ، فأخذنا بقول أكثرهم وأفضلهم رأيا ، فكان الذي وعيت عنهم على هذه الصفة ، أن من اكترى دابة إلى بلد ، ثم جاوز ذلك إلى بلد سواه ، فإن الدابة إن سلمت في ذلك كله ، أدى كراءها وكراء ما بعدها ، وإن تلفت في تعديه بها ضمنها ، وأدى كراءها الذي تكاراها به . وهذا قول الحكم ، وابن شبرمة ، والشافعي . وقال الثوري ، وأبو حنيفة : لا أجر عليه لما زاد ; لأن المنافع عندهما لا تضمن في الغصب

                                                                                                                                            وحكي عن مالك أنه إذا تجاوز بها إلى مسافة بعيدة ، يخير صاحبها بين أجر المثل وبين المطالبة بقيمتها يوم التعدي ; لأنه متعد بإمساكها ، حابس لها عن أسواقها ، فكان لصاحبها تضمينها إياه . ولنا أن العين باقية بحالها ، يمكن أخذها ، فلم تجب قيمتها ، كما لو كانت المسافة قريبة . وما ذكره تحكم لا دليل عليه ، ولا نظير له ، فلا يجوز المصير إليه . وقد مضى الكلام مع أبي حنيفة في الغصب

                                                                                                                                            ( 4249 ) الفصل الثاني : في الضمان ، ظاهر كلام الخرقي وجوب قيمتها إذا تلفت به ، سواء تلفت في الزيادة ، أو بعد ردها إلى المسافة ، وسواء كان صاحبها مع المكتري ، أو لم يكن . وهذا ظاهر مذهب الفقهاء السبعة ، إذا تلفت حال التعدي ; لما حكينا عنهم . وقال القاضي : إن كان المكتري نزل عنها وسلمها إلى صاحبها ، ليمسكها أو يسقيها ، فتلفت ، فلا ضمان على المكتري ، وإن هلكت والمكتري راكب عليها ، أو حمله عليها ، فعليه ضمانها . وقال أبو الخطاب : إن كانت يد صاحبها عليها ، احتمل أن يلزم المكتري جميع قيمتها ، واحتمل أن يلزمه نصف قيمتها

                                                                                                                                            وقال أصحاب الشافعي : إن لم يكن صاحبها معها ، لزم المكتري قيمتها كلها . وإن كان معها فتلفت في يد صاحبها ، لم يضمنها المكتري ; لأنها تلفت في يد صاحبها ، أشبه ما لو تلفت بعد مدة التعدي . وإن تلفت تحت الراكب ففيه قولان أحدهما يلزمه نصف قيمتها ; لأنها تلفت بفعل مضمون وغير مضمون ، أشبه ما لو تلفت بجراحته وجراحة مالكها . والثاني تقسط القيمة على المسافتين ، فما قابل مسافة الإجارة سقط ، ووجب الباقي .

                                                                                                                                            ونحو هذا قول أبي حنيفة ، فإنه قال : من اكترى جملا لحمل تسعة ، فحمل عشرة ، فتلف ، فعلى المكتري عشر قيمته . وموضع الخلاف في لزوم كمال القيمة إذا كان صاحبها مع راكبها ، أو تلفت في يد صاحبها . فأما إذا تلفت حال التعدي ، ولم يكن صاحبها مع راكبها ، فلا خلاف في ضمانها بكمال قيمتها ; لأنها تلفت في يد عادية ، فوجب ضمانها كالمغصوبة . وكذلك إذا تلفت تحت الراكب ، أو تحت حمله ، وصاحبها معها ; لأن اليد للراكب وصاحب الحمل ، بدليل أنهما لو تنازعا دابة أحدهما راكبها ، أو له عليها حمل ، والآخر آخذ بزمامها ، لكانت للراكب ولصاحب الحمل

                                                                                                                                            ولأن الراكب متعد بالزيادة ، وسكوت صاحبها لا يسقط الضمان ، كمن جلس إلى إنسان فحرق ثيابه وهو ساكت . ولأنها إن تلفت بسبب [ ص: 292 ] تعبها ، فالضمان على المتعدي ، كمن ألقى حجرا في سفينة موقرة فغرقها . فأما إن تلفت في يد صاحبها بعد نزول الراكب عنها ، فينظر فإن كان تلفها بسبب تعبها بالحمل والسير ، فهو كما لو تلفت تحت الحمل والراكب ، وإن تلفت بسبب آخر من افتراس سبع أو سقوط في هوة ونحو ذلك ، فلا ضمان فيها ; لأنها لم تتلف في يد عادية ، ولا بسبب عدوان

                                                                                                                                            وقولهم : تلفت بفعل مضمون وغير مضمون ، أشبه ما لو تلفت بجراحتين يبطل بما إذا قطع السارق ، ثم قطع آخر يده عدوانا ، فمات منهما ، وفارق ما إذا جرح نفسه وجرحه غيره ; لأن الفعلين عدوان ، فقسم الضمان عليهما . ( 4250 ) فصل : ولا يسقط الضمان بردها إلى المسافة . وبه قال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، والشافعي . وقال محمد : يسقط ، كما لو تعدى في الوديعة ، ثم ردها

                                                                                                                                            ولنا أنها يد ضامنة ، فلا يزول الضمان عنها إلا بإذن جديد ، ولم يوجد . وما ذكروه في الوديعة لا نسلمه إلا أن يردها إلى مالكها ، أو يجدد له إذنا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية