الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  831 250 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل . قلت لعمرة : أومنعن ؟ قالت : نعم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة . ورجاله تكرر ذكرهم . وأخرجه مسلم في الصلاة أيضا عن القعنبي عن سليمان بن بلال ، وعن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب الثقفي ، وعن عمرو الناقد عن سفيان بن عيينة ، وعن أبي بكر ابن أبي شيبة ، عن أبي خالد الأحمر ، وعن إسحاق بن إبراهيم عن عيسى بن يونس . وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك ، ستتهم عن يحيى بن سعيد به .

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه

                                                                                                                                                                                  قوله : “ ما أحدث النساء " في محل النصب على أنه مفعول أدرك ، أي : ما أحدثت من الزينة والطيب وحسن الثياب ونحوها . قلت : لو شاهدت عائشة رضي الله تعالى عنهما ما أحدث نساء هذا الزمان من أنواع البدع والمنكرات لكانت أشد إنكارا ولا سيما نساء مصر ، فإن فيهن بدعا لا توصف ومنكرات لا تمنع منها ثيابهن من أنواع الحرير المنسوجة أطرافها من الذهب والمرصعة باللآلئ وأنواع الجواهر ، وما على رءوسهن من الأقراص المذهبة المرصعة باللآلئ والجواهر الثمينة والمناديل الحرير المنسوج بالذهب والفضة الممدودة ، وقمصانهن من أنواع الحرير الواسعة الأكمام جدا السابلة أذيالها على الأرض مقدار أذرع كثيرة بحيث يمكن أن يجعل من قميص واحد ثلاثة قمصان وأكثر ، ومنها مشيهن في الأسواق في ثياب فاخرة وهن متبخترات متعطرات مائلات متبخترات متزاحمات مع الرجال مكشوفات الوجوه في غالب الأوقات ، ومنها ركوبهن على الحمير الغرة وأكمامهن سابلة من الجانبين في أزر رفيعة جدا ، ومنها ركوبهن على مراكب في نيل مصر وخلجانها مختلطات بالرجال ، وبعضهن يغنين بأصوات عالية مطربة والأقداح تدور بينهن ، ومنها غلبتهن على الرجال وقهرهن إياهم وحكمهن عليهم بأمور شديدة ، ومنهن نساء يبعن المنكرات بالإجهار ويخالطن الرجال فيها ، ومنهن قوادات يفسدن الرجال والنساء ويمشين بينهن بما لم يرض به الشرع ، ومنهن صنف بغايا قاعدات مترصدات للفساد ، ومنهن صنف دائرات على أرجلهن يصطدن الرجال ، ومنهن نصف سوارق من الدر والحمامات ، ومنهن صنف سواحر يسحرن وينفثن في العقد ، ومنهن بياعات في الأسواق يتعايطن بالرجال ، ومنهن دلالات نصابات على النساء ، ومنهن صنف نوائح ودفافات يرتكبن هذه الأمور القبيحة بالأجرة ، ومنهن مغنيات يغنين بأنواع الملاهي بالأجرة للرجال [ ص: 159 ] والنساء ، ومنهن صنف خطابات يخطبن للرجال نساء لها أزواج بفتن يوقعنها بينهم ، وغير ذلك من الأصناف الكثيرة الخارجة عن قواعد الشريعة ، فانظر إلى ما قالت الصديقة رضي الله تعالى عنها من قولها " لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثت النساء " وليس بين هذا القول وبين وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا مدة يسيرة ، على أن نساء ذلك الزمان ما أحدثن جزأ من ألف جزء مما أحدثت نساء هذا الزمان .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ كما منعت نساء بني إسرائيل " يحتمل أن تكون شريعتهم المنع ، ويحتمل أن يكون منعن بعد الإباحة ، ويحتمل غير ذلك مما لا طريق لنا إلى معرفته إلا بالخبر . قوله : " قلت لعمرة " القائل يحيى بن سعيد . قوله : " أومنعن " بهمزة الاستفهام وواو العطف وفعل المجهول ، والضمير الذي فيه يعود إلى نساء بني إسرائيل ، قال الكرماني : ( فإن قلت ) : من أين علمت عائشة رضي الله تعالى عنها هذه الملازمة والحكم بالمنع وعدمه ليس إلا الله تعالى . ( قلت ) : مما شاهدت من القواعد الدينية المقتضية لحسم مواد الفساد ، والأولى في هذا الباب أن ينظر إلى ما يخشى منه الفساد فيجتنب ، لإشارته صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بمنع الطيب والتزين ، لما روى مسلم من حديث زينب امرأة ابن مسعود " إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا " . وروى أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، ولكن ليخرجن وهن تفلات " . وكذلك قيد ذلك في بعض المواضع بالليل ، ليتحقق الأمن فيه من الفتنة والفساد ، وبهذا يمنع استدلال بعضهم في المنع مطلقا في قول عائشة ، لأنها علقته على شرط لم يوجد ، فقالت : لو رأى لمنع ، فيقال عليه : لم ير ولم يمنع ، على أن عائشة رضي الله تعالى عنها لم تصرح بالمنع ، وإن كان ظاهر كلامها يقتضي أنها ترى المنع ، وأيضا فالإحداث لم يقع من الكل بل من بعضهم فإن تعين المنع فيكون في حق من أحدثت لا في حق الكل ، وقال التيمي : فيه دليل على أنه لا ينبغي للنساء أن يخرجن من المساجد إذا حدث في النساء الفساد ، انتهى . قلت : الذي يعول عليه ما قلناه ، ولم يحدث الفساد في الكل .

                                                                                                                                                                                  قوله : “ تفلات " جمع تفلة ، بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الفاء ، من التفل ، وهو سوء الرائحة ، يقال : امرأة تفلة إذا لم تطيب ، ويقال : رجل تفل وامرأة تفلة ومتفال . ( فإن قلت ) : لم قال " لا تمنعوا إماء الله " ولم يقل لا تمنوا نساءكم ؟ ( قلت ) : لأنه لما قال مساجد الله راعى المناسبة ، فقال " إماء الله " وهو أوقع في النفس من لفظ النساء .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية