الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 341 ] تنبيهات [ التنبيه ] الأول [ اسم الفاعل حقيقة في الحال ]

                                                      معنى قولهم : حقيقة في الحال أي : حال التلبس بالفعل لا حال النطق به ، فإن حقيقة الضارب والمضروب لا يتقدم على الضرب ، ولا يتأخر عنه ، لأنهما طرفا النسبة فهما معه في زمن واحد .

                                                      ومن هذا يعلم أن نحو قوله صلى الله عليه وسلم : { من قتل قتيلا فله سلبه } أن " قتيلا " حقيقة وأن ما ذكروه من أنه سمي " قتيلا " باعتبار مشارفته الفعل لا تحقيق له .

                                                      إذا علمت ذلك فما ذكروه من نقل الإجماع على أنه حقيقة في الحال ينبغي أن يكون موضعه بعد وجود ما يتناوله الاسم المشتق منه فأما حالة الشروع قبل وجود ذلك كالتساوم من التابعين قبل الإيجاب والقبول ، والأكل حين أخذ اللقمة قبل وجود مسمى الأكل ، فقال القاضي أبو الطيب : لا يسمى فاعلا إلا مجازا ، وإنما يكون حقيقة بعد وجود ما يسمى بيعا وأكلا ، وينبغي أن لا يشترط في الإطلاق تمام الفعل ، ولهذا قال ابن مالك : المراد بالحال ما قارن وجود لفظه لوجود جزء من معناه ، كقولك : هذا زيد يكتب ، فيكتب مضارع بمعنى الحال ووجود لفظه مقارن لوجود بعض [ ص: 342 ] الكتابة لا لجميعها ، لا ما يعتقده كثير من الناس أن الحال هو المقارن وجود معناه لوجود لفظه ، لأن مدة وجود اللفظ لا تتسع لوجود معنى الفعل ، وإنما عبر بالحال عن اللفظ الدال على الجميع لاتصال أجزاء الكلمة بعضها ببعض . [ التنبيه ] الثاني

                                                      نقل الإجماع على أنه مجاز باعتبار المستقبل فيه نظر ، فإن الشافعي رد قول أبي حنيفة في خيار المجلس : سميا متبايعين لشروعهما في تقرير الثمن والمبادلة .

                                                      فقال الشافعي : لا يسميان متبايعين بل متساومين ، ولهذا لو قال : امرأته طالق إن كنا متبايعين ، وكانا متساومين لا يحنث ، لأنه لم يوجد التبايع . والتحقيق : أن اسم الفاعل له مدلولان :

                                                      أحدهما : أن يسلب الدلالة على الزمان ، فلا يشعر بتجدد ولا حدوث نحوه قولهم : سيفه قطوع ، وزيد صارع مصر ، أي : شأنه ذلك ، فهذا حقيقة ، لأن المجاز يصح نفيه ، ولا يصح أن يقال في السيف : ليس بقطوع .

                                                      والثاني : أن يقصد الفعل في المستقبل . فإن لم يتغير الفاعل كأفعال الله سبحانه من الخلق والرزق فإنه يوصف في الأزل بالخالق والرازق حقيقة ، وإن قلنا : إن صفات الفعل حادثة وإن كان يتغير فهو موضع المسألة . [ ص: 343 ] وكان بعض الفضلاء يقول : مقتضى قول ابن سينا وغيره من المنطقيين أنه باعتبار المستقبل ، حقيقة أيضا لقولهم : إذا قلنا : كل إنسان حيوان ، فمعناه كل ما هو إنسان في الحال أو قبله أو بعده فهو حيوان .

                                                      وأجاب بعضهم بأنه لا تعارض بل معنى قولهم : إن الحكم على مسمى الإنسان ومسمى الإنسان ، أعم من أن يكون ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا ، وهو حقيقة في الأحوال الثلاثة ، لأنه مستعمل فيما وضع له ، لأنا لما أطلقنا اللفظ ما أردنا به إلا ذلك المعنى ، وهذا مرادنا بقولنا : إن إطلاق اللفظ باعتبار الحال حقيقة ، أي : إذا أريد منه الحال التي فيها كذلك وإن أطلق الإنسان مثلا على النطفة أو الطين باعتبار ما سيصير إليه فهذا مجاز ، لأنه أريد به غير مسمى الإنسان لعلاقة بينه وبين مسماه ، وكذلك إذا أطلق عليه بعد خروجه عن الإنسانية ، وأريد تلك الخارجة ، وهو المنقول فيه الخلاف عن ابن سينا . [ التنبيه ] الثالث

                                                      أن في نقل الخلاف عن ابن سينا وأبي هاشم في هذه المسألة نظرا ، بينه الأصفهاني في شرح المحصول . أما ابن سينا فلا يوجد له موضوع في أصول الفقه ولا في العربية حتى يؤخذ خلافه منهما ; . نعم ، قال : إن الاصطلاح في علم المنطق أن قولنا : كل " ج ب " أنا لا نعني به ما هو " ج " دائما . أو في الحال أو في وقت معين ، بل ما هو أعم من ذلك ، وهو أنه ما صدق عليه أنه " ج " سواء كان في ذلك الماضي أو المستقبل أو الحال دائما أو غير دائم ، فهذا ما اصطلح عليه ، فعلى هذا إذا قيل : الضارب متحرك ، لا يلزم أن يكون ذلك حكما على الضارب في الحال ، بل على ما صدق عليه الضارب سواء كان ذلك الصدق في الماضي أو المستقبل أو الحال ، ومن المعلوم أن الاصطلاحات لا مناقشة فيها .

                                                      ولا يلزم من [ ص: 344 ] الاصطلاح المنطقي أن يكون موافقا للأوضاع اللغوية العربية إلا إذا ادعى صاحب الإصلاح الموافقة ، وابن سينا وغيره من المنطقيين يدعون ذلك ، على أن الرازي في كتبه المنطقية قد وافق ابن سينا في هذا الاصطلاح ، وأما ما نقل عن أبي هاشم ففيه بحث أيضا ، لأنه نقل عنه في المسألة السالفة أنه يجوز صدق المشتق بدون ما منه الاشتقاق ، فكيف يستقيم منه أن يشترط في صدق المشتق أن يقوم به ما منه الاشتقاق ؟ وذلك تناقض ظاهر لأن الإمام يقول : إن الضارب لا يصدق حقيقة إلا في حال صدور الضرب من الضارب ، وأبو هاشم يقول : يكفي في صدق الضارب حقيقة أن يكون الضرب وجد في الوجود وانقضى ، فإن لم يكن وجد أصلا فلا يقول بصدق الضارب حقيقة ، فيلزمه التناقض ، إلا أن يقال : إن ما نقل عنه أولا صورته في صفات الله تعالى خاصة بخلاف غيرها من المشتقات فحينئذ ينتظم الكلام ، لكن الإمام جعل المسألتين من حيث اللغة . [ التنبيه ] الرابع أطلقوا الخلاف في المسألة ، وقضية كلام الإمام وغيره أن الخلاف لا يجري في الصفات القارة المحسوسة كالبياض والسواد ، لأنا على قطع بأن اللغوي لا يطلق على الأبيض بعد اسوداده أنه أبيض .

                                                      وقال الإمام في المسألة : لا يصح أن يقال : إنه نائم باعتبار النوم السابق ، وادعى الآمدي فيه الإجماع ، وإنما الخلاف في الضرب ونحوه من الأفعال المنقضية ، فإطلاق المشتق على محلها من باب الأحكام ، فلا يبعد إطلاقه حال خلوه عن مفهومه ، لأنه أمر حكمي . [ ص: 345 ] وقال القرافي أيضا : محله إذا كان المشتق محكوما به ، كقولك : زيد مشرك أو زان أو سارق ، فإن كان محكوما عليه كقولك السارق تقطع يده ، فإنه حقيقة مطلقا فيمن اتصف به في الماضي والحال والاستقبال قال : ولولا ذلك لأشكل القطع والجلد ، لأن هذه الأزمنة : الماضي ، والحال ، والاستقبال ، إنما هي بحسب زمن إطلاق اللفظ المشتق ، فتكون الآيات المذكورة ونظائرها مجازات باعتبار من اتصف بهذه الصفات في زماننا ، لأنهم في المستقبل غير زمن الخطاب عند النزول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مخلص عن هذا الإشكال إلا بما سبق .

                                                      قال : فالله تعالى لم يحكم في تلك الآيات بشرك واحد ولا زناه ، وإنما حكم بالقتل والجلد وغيرهما ، والموصوف بتلك الصفات يعم متعلق هذه الأحكام . هذا ما ذكره القرافي ، وكان يستشكل ذلك ، وكان من في زمانه من الفضلاء يتخبطون معه في ذلك ، ولم يوفقوا للصواب فيه . وقال بعضهم : إنه مندفع بدون هذا فإن المجاز وإن كان الأصل عدمه إلا أن الإجماع منعقد على أن المتصفين بهذه الصفات بعد ورود هذه النصوص يتناولهم ، وتثبت تلك الأحكام فيهم .

                                                      والحق : أن هاهنا شيئين :

                                                      أحدهما : إطلاق اللفظ وإرادة المعنى من غير تعرض لزمان ، كقولنا : الخمر حرام ، فهذا اللفظ صادق سواء كانت الخمرة موجودة أم لا . وإطلاق الخمر في هذه القضية حقيقة ، لأنه لم يقصد غير معناه ، والحكم عليه بالتحريم بالنسبة إلى حالة اتصافه بالخمرية لا قبله ولا بعده ، فلا مجاز في ذلك ، وكذلك قولنا : القاتل مقتول ، ونحوه ، ومنه قوله تعالى { الزانية [ ص: 346 ] والزاني فاجلدوا } { والسارق والسارقة فاقطعوا } وقوله : { فاقتلوا المشركين } وغير ذلك من النصوص ، والحكم في ذلك على من اتصف بالزنى والسرقة والشرك ونحوها حاضرا كان أو مستقبلا ، ولم يقصد بالزاني إلا من اتصف بالزنى حين زناه ، وكذلك باقيها .

                                                      الثاني : إطلاقه باعتبار ما كان عليه فهو مجاز ، وهو موضع الخلاف .

                                                      قال الشيخ الإمام أبو الحسن السبكي : وإنما الوهم سرى للقرافي قوله : بأن الماضي والحال والاستقبال بحسب زمن إطلاق اللفظ ، فحصل بذلك ما قاله من الإشكال ، ولا ينجيه ما أجاب به ، والقاعدة صحيحة في نفسها ولكن لم يفهموها حق فهمها قال : وهاهنا أمور :

                                                      أحدها : أن اسم الفاعل والمفعول ونحوهما إنما دل على شخص متصف بالمصدر المشتق منه ، فضارب مدلوله شخص متصف بضرب صادر منه ، ولا تعرض له لزمان كما هو شأن الأسماء كلها ، وإذا لم يدل على الزمان الأعم من الحال فلأن لا يدل على الحال الأخص منه أولى ، فكيف يكون حقيقة فيه ؟ وأعني بالحال هنا زمن إطلاق اللفظ ، فمن ظن أن اسم الفاعل يدل على ذلك فقد أخطأ ، وإنما التبس على بعض المبتدئين ذلك من جهة أنهم يفهمون من قولنا : زيد ضارب أنه ضارب في الحال ، واعتقدوا أن هذا لدلالة اسم الفاعل عليه .

                                                      وهذا باطل لأنك تقول : هذا حجر ، وتريد إنسانا فيفهم منه الحال [ ص: 347 ] أيضا مع أن الحجر والإنسان لا دلالة لهما على الزمان . فإن قلت : اسم الفاعل يدل على الفعل ، والفعل لا بد أن يكون في زمن ، فاسم الفاعل دال على الزمان بالالتزام . قلت المعتبر في دلالة الالتزام اللزوم الذهني ، وهو ممنوع هاهنا ، وعلى تقدير تسليمه لا يضر ، لأن المعنى فيه مطلق الزمان ، وإذا كنا نقول : إن اليوم وغدا وأمس والزمان والآن أسماء مع أنها لا مدلول لها غير الزمان ، فما ظنك بما يستلزمه ؟ والذي منعنا وجوده في الاسم هو دلالته على الزمان كما يدل الفعل عليه ، وأعني به أنه يدل على زمن ماض غير زمان الخطاب أو مقارن له أو مستقبل عنه ، فهذا هو القدر الذي اختص به الفعل ولا يوجد في شيء من الأسماء .

                                                      فإن قلت : " ضرب " دل على زمان ماض غير زمن الخطاب ، ومن ضرورته أن زمن الخطاب مستقبل عنه ، ويضرب واضرب بالعكس ، وتضرب إذا جعلته للحال دل على زمان ماض ، وهو زمن الخطاب ، فكل واحد من الأفعال دال على زمانين زمن الخطاب وزمن منسوب إليه ، وإن كانا في الحاضر متحدين ، ومثل هذا لا يوجد في شيء من الأسماء لا بمادته ولا بصورته . وقول من قال : إن اليوم وأمس وغدا يدل على أحد الأزمنة الثلاثة بمادته ، وأخذه في حد الفعل أن يدل ببنيته ليحترز عن ذلك مدخول بما حررناه ، فعلم بذلك أن اسم الفاعل لا دلالة له على زمن الخطاب ألبتة ، وأن قولنا : إطلاق اسم الفاعل بمعنى الحال حقيقة ليس بهذا المعنى خلافا لمن غلط في ذلك .

                                                      الثاني : أن مدلول اسم الفاعل شخص متصف بالفعل كما قدمنا حاضرا كان أو ماضيا أو مستقبلا ، يعني بالنسبة إلى زمن الخطاب ، وهذا المدلول [ ص: 348 ] مركب بقيد الاتصاف بالفعل لا بد منه ، لأنه أحد جزئي المدلول ، فمتى لم يكن لذلك الفعل وجود فيه في زمن ما ، فلا شك أنه لا يصح إطلاق اللفظ عليه لعدم حصول مدلوله ، ومتى اتصف بالفعل في زمن بقي ذلك الزمن المدلول حاصلا بإطلاق اسم الفاعل عليه حقيقة لأنه استعمال في مدلوله ، وإطلاقه عليه قبل حصوله باعتبار توقع محصوله مجاز ، لأنه استعمال له في غير موضوعه ، لأنه إنما وضع للمركب من جزأين موجودين بالفعل ، وهنا ليس كذلك ، وإطلاقه عليه بعد حصوله مجاز أيضا على الصحيح . وهذا التقسيم ليس بالنسبة إلى وقت الخطاب ، بل بالنسبة إلى وقت حصول المعنى المقتضي للاشتقاق . وإنما تطرقت الحقيقة والمجاز إليه من جهة إطلاق اللفظ على موضوعه وعلى غير موضوعه ، فموضوعه هو التركيب وقت التركيب ، فإن أريد ، كان اللفظ حقيقة فيه سواء تكلم به في ذلك الوقت أم غيره ، وإن أريد به غيره مجازا سواء تكلم به ذلك الوقت أم غيره . والخلاف راجع إلى أن حالة اقتران الفعل بالشخص هل هي شرط في المدلول أم لا ؟ والصحيح : أنها شرط لضرورة التركيب ، فلذلك اعتبر الحال ، وليس معتبرا لكون الزمان مأخوذا في موضوعه ، ولكن لأن اللفظ موضوع للمركب وحقيقة المركب عقلا تستدعي وقت التركيب . فكان ذلك الزمان شرطا لوجود المدلول الصحيح للاستعمال الحقيقي ، فهذا معنى قولهم : إن إطلاق اسم الفاعل بالنسبة إلى الحال حقيقة أي : مقصود به الحال الذي وجد مدلوله فيها ، وهي حال قيام المعنى به ، وإنما دل على ذلك قاعدة الاشتقاق واستدعاؤه وجود المعنى المشتق منه ، لأن المشتق مركب والمشتق منه مفرد ، والمركب مستلزم للمفرد .

                                                      واعتقد كثير من الناس أن المقصود بهذا وقت الخطاب فغلط ومعنى [ ص: 349 ] قولهم : إن إطلاقه بالنسبة إلى الماضي والمستقبل مجاز ، أي إذا قصد تلك الحالة ، وإن كان الإطلاق قبلها أو بعدها .

                                                      ومعنى قولنا : قصد به تلك الحال ، أي قصد مدلوله الكائن في تلك الحال ، وأما الحال ، فليس اللفظ الموضوع موضوعا له .

                                                      الثالث : قد عرفت أن اسم الفاعل لا يدل على الزمان ، وأنه إن أطلق وأريد به وقت حصول المعنى المشتق منه كان حقيقة ، وإلا كان مجازا ولا فرق في ذلك بين أن يكون مفردا أو مركبا واقعا جزء كلام ، ولا يستلزم كون المفرد يوصف بالحقيقة والمجاز ، فإنك إذا ذكرت الأسماء من غير عقد وتركيب وأردت بها حقائقها كانت حقيقة وإلا مجازا .

                                                      وإذا وقع جزء الكلام ، فإما أن يكون الكلام طلبا أو خبرا ، فإن كان طلبا كقوله تعالى : { فاقتلوا المشركين } اقتضى طلب قتل مستقبل لأشخاص المتصفين بالشرك حين القتل ، سواء كانوا موجودين حالة الخطاب أم حادثين بعده ، ومنهم من يشرك بعد حقيقة لا مجازا ، لأنه ما قصد به إلا من هو متصف بالشرك ، فكيف يكون مجازا ؟ ولا يدخل من أشرك ثم أسلم ، ولا من ظن أنه مشرك بعد ذلك ، لأن كلا منهما لا يسمى مشركا حقيقة ، بل مجازا لأن اللفظ إنما يحمل على حقيقته .

                                                      وبهذا يظهر أن سؤال القرافي لا وقع له ، وقوله : إن المراد في هذه المسألة المحكوم به يقال له : إن قوله : { اقتلوا المشركين } معناه الذين هم مشركون ، فقد وقع اسم الفاعل محكوما به ، وقوله : إن متعلق الحكم ليس يراد ، يرد عليه قولك : القاتل يقتل أو الكافر يقتل ، وأردت به معهودا حاضرا ، فإنه لا يكون حقيقة حتى يكون القتل قائما به من حين الخطاب وهو مما اقتضته القاعدة في المسألة . هذا حكم [ ص: 350 ] الأمر والنهي ، وإن كان الكلام خبرا ، فإن كان ماضيا واسم الفاعل نكرة غير عامة ، كقولك : قتلت كافرا ، فصدقه بوجود تلك الصفة في الماضي حالة القتل ، وإن كانت مضافة إليها " كل " كقولك : قتلت كل كافر ، اقتضت تعميم القتل لكل كافر في الماضي ، وهل الكافر في المستقبل خارج عن ذلك بقرينة الفعل الماضي فيكون مخصوصا أو لم يدخل ألبتة ؟ في الدلالة فيه ما أشرنا إليه من الاحتمالين .

                                                      والحاصل : أن اسم الفاعل حقيقة في شخص متصف بحدث حال قيامه به ، ومجاز فيما سيتصف به ، وكذا فيما انقضى اتصافه به على الصحيح ، ولا فرق في الأقسام الثلاثة بين أن يكون إطلاق ذلك في تلك الحالة أو في غيرها ، فالاعتبار في الحقيقة والمجاز بزمان الاتصاف لا بزمان الإطلاق ، ولا فرق بين أن يكون محكوما عليه أو به أو تعلق الحكم حيث وجد في قضية فعلية مقيدا بزمان فعلها ، وفي قضية اسمية إن قيدت تقيدت ، وإن أطلقت حملت على الحال باسم فاعل كان المحكوم أو غيره من الأسماء المشتقة أو الجامدة .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية