الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1924 حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي قابوس عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن أبي قابوس ) غير منصرف للعجمة والعلمية ، قطع بهذا غير واحد ممن يعتمد عليه ، كذا في مرقاة الصعود وأبو قابوس هذا هو مولى عبد الله بن عمرو بن العاص مقبول من الرابعة .

                                                                                                          قوله : ( الراحمون ) لمن في الأرض من آدمي وحيوان محترم بنحو شفقة وإحسان ومواساة ( يرحمهم الرحمن ) أي يحسن إليهم ويتفضل عليهم ، والرحمة مقيدة باتباع الكتاب والسنة ، فإقامة الحدود والانتقام لحرمة الله لا ينافي كل منهما الرحمة ( ارحموا من في الأرض ) قال الطيبي : أتى بصيغة العموم ليشمل جميع أصناف الخلق فيرحم البر والفاجر ، والناطق والبهم ، والوحوش والطير انتهى ، وفيه إشارة إلى أن إيراد " من " لتغليب ذوي العقول لشرفهم على غيرهم أو للمشاكلة المقابلة بقوله ( يرحمكم من في السماء ) وهو مجزوم على جواب الأمر أي الله تعالى ، وقيل المراد من سكن فيها وهم الملائكة فإنهم يستغفرون للمؤمنين ، قال الله تعالى : الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ، وفي السراج المنير وقد روي بلفظ : ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء ، والمراد بأهل السماء الملائكة ، ومعنى رحمتهم لأهل الأرض دعاؤهم لهم بالرحمة والمغفرة كما قال تعالى : ويستغفرون لمن آمن

                                                                                                          ( الرحم شجنة ) بكسر المعجمة وسكون الجيم بعدها نون وجاء بضم أوله وفتحه رواية ولغة ، وأصل الشجنة عروق الشجر المشتبكة ، والشجن بالتحريك واحد الشجون ، وهي طرق [ ص: 44 ] الأودية ، ومنه قولهم : الحديث ذو شجون ، أي يدخل بعضه في بعض .

                                                                                                          ( من الرحمن ) أي أخذ اسمها من هذا الاسم كما في حديث عبد الرحمن بن عوف في السنن مرفوعا : أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي ، والمعنى أنها أثر من آثار الرحمة مشتبكة بها ، فالقاطع لها منقطع من رحمة الله تعالى ، وقال الإسماعيلي : معنى الحديث أن الرحم اشتق اسمها من اسم الرحمن فلها به علقة ، وليس معناه أنها من ذات الله ، تعالى الله عن ذلك ، ذكره الحافظ في الفتح .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أبو داود وسكت عنه ، ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره ، والحديث أخرجه أحمد والحاكم أيضا ، واعلم أن هذا الحديث هو الحديث المسلسل بالأولية ، قال ابن الصلاح في مقدمته : قلما تسلم المسلسلات من ضعف ، أعني في وصف التسلسل لا في أصل المتن ، ومن المسلسل ما ينقطع تسلسله في وسط إسناده ، وذلك نقص فيه وهو كالمسلسل بأول حديث سمعته على ما هو الصحيح في ذلك انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية