الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ( 41 ) ) .

قوله تعالى : ( والطير ) : هو معطوف على " من " و " صافات " : حال من الطير .

( كل قد علم صلاته ) : ضمير الفاعل في علم : اسم الله عند قوم ، وعند آخرين : هو ضمير كل ؛ وهو الأقوى ؛ لأن القراءة برفع كل على الابتداء ، فيرجع ضمير الفاعل إليه ، ولو كان فيه ضمير اسم الله لكان الأولى نصب كل ؛ لأن الفعل الذي بعدها قد نصب ما هو من سببها ؛ فيصير كقولك : زيدا ضرب عمرو غلامه ، فتنصب زيدا بفعل دل عليه ما بعده ؛ وهو أقوى من الرفع ، والآخر جائز .

قال تعالى : ( ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ( 43 ) ) .

قوله تعالى : ( يؤلف بينه ) : إنما جاز دخول بين على المفرد ؛ لأن المعنى بين كل قطعة وقطعة سحابة ، والسحاب جنس لها .

[ ص: 253 ] ( وينزل من السماء ) : ( من ) هاهنا لابتداء الغاية ؛ فأما ( من جبال ) ففي ( من ) وجهان : أحدهما : هي زائدة ، هذا على رأي الأخفش . والثاني : ليست زائدة . ثم فيها وجهان : أحدهما : هي بدل من الأولى على إعادة الجار ، والتقدير : وينزل من جبال السماء ؛ أي من جبال في السماء فعلى هذا يكون " من برد " زائدة عند قوم ، وغير زائدة عند آخرين . والوجه الثاني : أن التقدير : شيئا من جبال ، فحذف الموصوف واكتفى بالصفة .

وهذا الوجه هو الصحيح ؛ لأن قوله تعالى : " فيها من برد " يحوجك إلى مفعول يعود الضمير إليه ؛ فيكون تقديره : وينزل من جبال السماء جبالا فيها برد ، وفي ذلك زيادة حذف وتقدير مستغنى عنه .

وأما " من " الثانية ففيها وجهان : أحدهما : هي زائدة . والثاني : للتبعيض .

قال تعالى : ( والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير ( 45 ) ) .

قوله تعالى : ( فمنهم من يمشي على بطنه ) و ( من يمشي على أربع ) : " من " فيهما لما لا يعقل ؛ لأنها صحبت من لمن يعقل ؛ فكان الأحسن اتفاق لفظهما . وقيل : لما وصف هذين بالمشي والاختيار حمله على من يعقل .

قال تعالى : ( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون ( 48 ) ) .

قوله تعالى : ( إذا فريق ) : هي للمفاجأة ؛ وقد تقدم ذكرها في مواضع .

قال تعالى : ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ( 51 ) ) .

قوله تعالى : ( قول المؤمنين ) : يقرأ بالنصب والرفع ، وقد ذكر نظيره في مواضع .

قال تعالى : ( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ( 52 ) ) .

قوله تعالى : ( ويتقه ) : قد ذكر في قوله تعالى : ( يؤده إليك ) [ آل عمران : 75 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية