الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : اعلم أن المعتزلة قد طعنوا في هذه القصة من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : قال الجبائي : ذهب بعض الجهال إلى أن ما كان به من المرض كان فعلا للشيطان سلطه الله عليه ؛ لقوله تعالى حكاية عنه : ( مسني الشيطان بنصب وعذاب ) [ ص : 41 ] وهذا جهل ، أما أولا فلأنه لو قدر على إحداث الأمراض والأسقام وضدهما من العافية لتهيأ له فعل الأجسام ، ومن هذا حاله يكون إلها ، وأما ثانيا فلأن الله تعالى أخبر عنه وعن جنوده بأنه قال : ( وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ) [ إبراهيم : 22 ] ، والواجب تصديق خبر الله تعالى ، دون الرجوع إلى ما يروى عن وهب بن منبه رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن هذا الاعتراض ضعيف ؛ لأن المذكور في الحكاية أن الشيطان نفخ في منخره ، فوقعت الحكة فيه ، فلم قلتم : إن القادر على النفخة التي تولد مثل هذه الحكة لا بد وأن يكون قادرا على خلق الأجسام ؟ وهل هذا إلا محض التحكم ؟ وأما التمسك بالنص فضعيف ؛ لأنه إنما يقدم على هذا الفعل متى علم أنه لو أقدم عليه لما منعه الله تعالى عنه ، وهذه الحالة لم تحصل إلا في حق أيوب عليه السلام على ما دلت الحكاية عليه من أنه استأذن الله تعالى فأذن له فيه ، ومتى كان كذلك لم يبق بين ذلك النص وبين هذه الحكاية مناقضة .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : قالوا : ما روي أنه عليه السلام لم يسأل إلا عند أمور مخصوصة فبعيد ؛ لأن الثابت في العقل أنه يحسن من المرء أن يسأل في ذلك ربه ، ويفزع إليه كما يحسن منه المداواة ، وإذا جاز أن يسأل ربه عند الغم مما يراه من إخوانه وأهله ، جاز أيضا أن يسأل ربه [ ص: 181 ] من قبل نفسه .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : أفلا يجوز أنه تعالى تعبده بأن لا يسأل الكشف إلا في آخر أمره ، قلنا : يجوز ذلك بأن يعلمه بأن إنزال ذلك به مدة مخصوصة من مصالحه ومصالح غيره لا محالة ، فعلم عليه السلام أنه لا وجه للمسألة في هذا الأمر الخاص ، فإذا قرب الوقت جاز أن يسأل ذلك ، من حيث يجوز أن يدوم , ويجوز أن ينقطع .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها قالوا : انتهاء ذلك المرض إلى حد التنفير عنه غير جائز ؛ لأن الأمراض المنفرة من القبول غير جائزة على الأنبياء عليهم السلام ؛ فهذا جملة ما قيل في هذه الحكاية .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية