الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4306 ) فصل : وتجوز إجارة الدراهم والدنانير ، للوزن والتحلي ، في مدة معلومة . وبه قال أبو حنيفة . وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ، والوجه الآخر ، أنها لا تجوز إجارتها ; لأن هذه المنفعة ليست [ ص: 318 ] المقصودة منها ، ولذلك لا تضمن منفعتها بغصبها ، فأشبهت الشمع . ولنا أنها عين أمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها منفعة مباحة ، فأشبهت الحلي ، وفارقت الشمع ; فإنه لا ينتفع به إلا بما أتلف عينه .

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فإنه إن ذكر ما يستأجره له ، وعينه ، فحسن ، وإن أطلق الإجارة ، فقال أبو الخطاب : تصح الإجارة ، وينتفع بها فيما شاء منهما ; لأن منفعتهما في الإجارة متعينة في التحلي والوزن ، وهما متقاربان ، فوجب أن تحمل الإجارة عند الإطلاق عليهما ، كاستئجار الدار مطلقا ، فإنه يتناول السكنى ، ووضع المتاع فيها . وقال القاضي : لا تصح الإجارة ، وتكون قرضا . وهذا مذهب أبي حنيفة ; لأن الإجارة تقتضي الانتفاع ، والانتفاع المعتاد بالدراهم والدنانير إنما هو بأعيانها ، فإذا أطلق الانتفاع ، حمل على الانتفاع المعتاد

                                                                                                                                            وقال أصحاب الشافعي : لا تصح الإجارة ، ولا تكون قرضا ; لأن التحلي ينقصها ، والوزن لا ينقصها ، فقد اختلفت جهة الانتفاع ، فلم يجز إطلاقها . ولا يجوز أن يعبر بها عن القرض ; لأن القرض تمليك للغير ، والإجارة تقتضي الانتفاع مع بقاء العين ، فلم يجز التعبير بأحدهما عن الآخر . ولأن التسمية والألفاظ تؤخذ نقلا ، ولم يعهد في اللسان التعبير بالإجارة عن القرض . وقول أبي الخطاب أصح ، إن شاء الله تعالى ; لأن العقد متى أمكن حمله على الصحة ، كان أولى من إفساده ، وقد أمكن حمله على إجارتها للجهة التي تجوز إجارتها فيها

                                                                                                                                            وقول القاضي لا يصح ; لأن الإجارة إنما تقتضي انتفاعا مع بقاء العين ، فلا تحمل على غير ذلك . وما ذكر الآخرون من نقص العين بالاستعمال في التحلي فبعيد ; فإن ذلك يسير لا أثر له ، فوجوده كعدمه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية