الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      2185 حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل ابن عمر وأبو الزبير يسمع قال كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا قال طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض قال عبد الله فردها علي ولم يرها شيئا وقال إذا طهرت فليطلق أو ليمسك قال ابن عمر وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن قال أبو داود روى هذا الحديث عن ابن عمر يونس بن جبير وأنس بن سيرين وسعيد بن جبير وزيد بن أسلم وأبو الزبير ومنصور عن أبي وائل معناهم كلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك وكذلك رواه محمد بن عبد الرحمن عن سالم عن ابن عمر وأما رواية الزهري عن سالم ونافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك وروي عن عطاء الخراساني عن الحسن عن ابن عمر نحو رواية نافع والزهري والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( أنه ) : أي أبو الزبير ( سمع عبد الرحمن بن أيمن ) : بنصب الدال مفعول ( مولى عروة ) : بدل من عبد الرحمن ( يسأل ) : أي عبد الرحمن ( ابن عمر ) : بالنصب ( وأبو الزبير يسمع ) : جملة حالية ( قال ) : أي عبد الرحمن ( كيف ترى ) : الخطاب لابن عمر رضي الله عنهما ( ولم يرها شيئا ) : أي لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك التطليقة شيئا يعتد به . وفيه دليل لمن قال إن طلاق الحائض لا يقع . والقائلون بوقوع طلاق الحائض قالوا إن قوله ولم يرها شيئا منكرا لم يقله غير أبي الزبير . قال الخطابي : قال أهل الحديث لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا ، وقد يحتمل أن يكون معناه أنه لم يره شيئا باتا تحرم معه المراجعة ولا يحل له إلا بعد زوج ، أو لم يره شيئا جائزا في السنة ماضيا في حكم الاختيار وإن كان لازما له على سبيل الكراهة والله أعلم انتهى .

                                                                      وأبو داود أيضا قد أشار إلى نكارة قوله ولم يرها شيئا حيث قال والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه النسائي .

                                                                      [ ص: 186 ] ( قال أبو داود وروي هذا الحديث عن ابن عمر إلخ ) : حاصل كلامه أن هذا الحديث أي حديث ابن عمر في تطليقه امرأته حائضا رواه عنه يونس بن جبير وأنس بن سيرين وسعيد بن جبير وزيد بن أسلم وأبو الزبير ومنصور ، وفي روايات هؤلاء كلهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يراجعها حتى تطهر أي من الحيضة التي طلقها فيها ، ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك وليس في رواياتهم ذكر حيضة أخرى سوى التي طلقها فيها .

                                                                      ومثل هؤلاء رواه محمد بن [ ص: 187 ] عبد الرحمن عن سالم عن ابن عمر . وروى هذا الحديث الزهري عن سالم عن ابن عمر ونافع عنه ، وفي روايتهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يراجعها حتى تطهر أي من الحيضة التي طلقها فيها ثم تحيض أي حيضة أخرى سوى التي طلقها فيها ثم تطهر أي من الحيضة الثانية ثم إن شاء طلق أو أمسك . ففي روايتهما زيادة وروي عن عطاء الخراساني عن الحسن عن [ ص: 188 ] ابن عمر مثل روايتهما ( والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير ) : أي في قوله ولم يرها شيئا .

                                                                      قال المنذري : وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه : ونافع أثبت عن ابن عمر من أبي الزبير ، والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به إذا خالفه . وقال أبو سليمان الخطابي : حديث يونس بن جبير أثبت من هذا . وقال أهل الحديث : لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا . وقال أبو عمر النمري : ولم يقله عنه أحد غير أبي الزبير ، وقد رواه عنه جماعة جلة فلم يقل ذلك واحد منهم . وأبو الزبير ليس بحجة فيمن خالفه فيه مثله فكيف بخلاف من هو أثبت منه ، وقد يحتمل أن يكون معناه أنه لم يره شيئا باتا تحرم معه المراجعة إلى آخر ما نقلت كلام الخطابي تحت قوله ولم يرها شيئا .




                                                                      الخدمات العلمية