الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الأذان في السفر 205 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع عن سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وابن عم لي فقال لنا إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل العلم اختاروا الأذان في السفر وقال بعضهم تجزئ الإقامة إنما الأذان على من يريد أن يجمع الناس والقول الأول أصح وبه يقول أحمد وإسحق

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن سفيان ) هو الثوري كما صرح به الحافظ في الفتح ( عن أبي قلابة ) الجرمي ( عن مالك بن الحويرث ) بالتصغير الليثي صحابي نزل البصرة وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وأقام عنده عشرين ليلة وسكن البصرة .

                                                                                                          قوله : ( قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وابن عم لي ) بالرفع على العطف ، وبالنصب على أنه مفعول معه .

                                                                                                          ( فأذنا ) أي من أحب منكما أن يؤذن فليؤذن ، وذلك لاستوائهما في الفضل ، ولا يعتبر في الأذان السن بخلاف الإمامة ، قاله الحافظ قال : وهو واضح من سياق حديث الباب حيث قال : فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم ، ومراده بحديث الباب حديث مالك بن الحويرث بلفظ : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي . . . الحديث ، وفي آخره " ، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم [ ص: 520 ] وليؤمكم أكبركم " وقال أبو الحسن بن القصار : أراد بقوله " فأذنا " الفضل ، وإلا فأذان الواحد يجزئ ، وكأنه فهم منه أنه أمرهما أن يؤذنا جميعا كما هو ظاهر اللفظ ، وتعقب عليه الحافظ وذكر في ضمن تعقبه توجيها آخر لقوله " فأذنا " حيث قال : فإن أراد - يعني أبا الحسن بن القصار - أنهما يؤذنان معا فليس ذلك بمراد ، وقد قدمنا النقل عن السلف بخلافه ، وإن أراد أن كلا منهما يؤذن على حدة ففيه نظر ، فإن أذان الواحد يكفي الجماعة ، نعم يستحب لكل أحد إجابة المؤذن فالأولى حمل الأمر على أن أحدهما يؤذن والآخر يجيب ، قال والحامل على صرفه عن ظاهره قوله " فليؤذن لكم أحدكم " ، وللطبراني من طريق حماد بن سلمة عن خالد الحذاء في هذا الحديث : " إذا كنت مع صاحبك فليؤذن وأقم وليؤمكما أكبركما " ، انتهى .

                                                                                                          ( وأقيما ) أي من أحب منكما أن يقيم فليقم ، قال الحافظ : فيه حجة لمن قال باستحباب إجابة المؤذن بالإقامة إن حمل الأمر على ما مضى ، وإلا فالذي يؤذن هو الذي يقيم ، انتهى .

                                                                                                          ( وليؤمكما أكبركما ) أي سنا ، قال القرطبي : قوله وليؤمكما أكبركما يدل على تساويهما في شروط الإمامة ورجح أحدهما بالسن ، قال العيني : لأن هؤلاء كانوا مستوين في باقي الخصال ؛ لأنهم هاجروا جميعا وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازموه عشرين ليلة فاستووا في الأخذ عنه فلم يبق ما يقدم به إلا السن ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري ، قال ميرك : ورواه الجماعة والمعنى عندهم متقارب وبعضهم ذكر فيه قصة كذا ، قاله الشيخ الجزري ، كذا في المرقاة .

                                                                                                          قوله : ( والعمل عليه عند أكثر أهل العلم اختاروا الأذان في السفر ) أي ولو كان المسافر منفردا ( وقال بعضهم : تجزئ الإقامة إنما الأذان على من يريد أن يجمع الناس ) روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول : إنما التأذين لجيش أو ركب عليهم أمير فينادي بالصلاة ليجتمعوا ، فأما غيرهم فإنما هي الإقامة ، وحكي نحو ذلك عن مالك ، وذهب الأئمة الثلاثة والثوري وغيرهم إلى مشروعية الأذان لكل أحد ، كذا في فتح الباري ، قلت : وكان ابن عمر يؤذن في السفر في صلاة الصبح ويقيم ، روى مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يزيد على الإقامة في السفر إلا في الصبح ، فإنه كان ينادي فيها ويقيم ، وكان يقول : إنما الأذان للإمام الذي يجتمع إليه الناس ، قال الزرقاني : وذلك لإظهار شعار الإسلام ؛ لأنه وقت الإغارة على الكفار وكان صلى الله عليه وسلم في ذلك [ ص: 521 ] الوقت يغير إذا لم يسمع الأذان ويمسك إذا سمعه ، ونقل عنه البوني أن ذلك لإعلام من معه من نائم وغيره بطلوع الفجر وسائر الصلوات لا تخفى عليهم .

                                                                                                          ( والقول الأول أصح ) ، فإنه ثابت بحديث الباب ، وهو حجة على من ذهب إلى القول الثاني ، وروى البخاري وغيره أن أبا سعيد الخدري قال لعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري : إني أراك تحب الغنم والبادية ، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء ، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة . قال أبو سعيد : سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                          قال الحافظ : وهذا الحديث يقتضي استحباب الأذان للمنفرد ، وبالغ عطاء فقال : إذا كنت في سفر فلم تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة . ولعله كان يرى ذلك شرطا في صحة الصلاة ، أو يرى استحباب الإعادة لا وجوبها . انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          فائدة : قال أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي : لم يذكر أبو عيسى رفع الصوت بالأذان ، وذكر أبو داود فيه حديث أبي هريرة " المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس ، والحديث في ذلك مشهور صحيح بيناه في شرح الصحيحين ، انتهى . قلت : وفي ذلك حديث أبي سعيد الخدري الذي ذكرناه آنفا .




                                                                                                          الخدمات العلمية