الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( بل قالوا مثل ما قال الأولون قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( بل قالوا مثل ما قال الأولون قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين ) .

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أنه سبحانه لما أوضح القول في دلائل التوحيد عقبه بذكر المعاد فقال: ( بل قالوا مثل ما قال الأولون ) في إنكار البعث مع وضوح الدلائل، ونبه بذلك على أنهم إنما أنكروا ذلك تقليدا للأولين, وذلك يدل على فساد القول بالتقليد، ثم حكى الشبهة عنهم من وجهين.

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما: قولهم: ( أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ) وهو مشهور.

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيهما: قولهم: ( لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل ) كأنهم قالوا: إن هذا الوعد كما وقع منه عليه الصلاة والسلام فقد وقع قديما من الأنبياء، ثم لم يوجد مع طول العهد، فظنوا أن الإعادة [ ص: 101 ] تكون في دار الدنيا، ثم قالوا: لما كان كذلك فهو من أساطير الأولين، والأساطير جمع أسطار، والأسطار جمع سطر ؛ أي: ما كتبه الأولون مما لا حقيقة له، وجمع أسطورة أوفق.

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون )

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أنه يمكن أن يكون المقصود من هذه الآيات الرد على منكري الإعادة، وأن يكون المقصود الرد على عبدة الأوثان، وذلك لأن القوم كانوا مقرين بالله تعالى, فقالوا: نعبد الأصنام لتقربنا إلى الله زلفى، ثم إنه سبحانه احتج عليهم بأمور ثلاثة.

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها: قوله : ( قل لمن الأرض ومن فيها ) ووجه الاستدلال به على الإعادة أنه تعالى لما كان خالقا للأرض ولمن فيها من الأحياء، وخالقا لحياتهم وقدرتهم وغيرها، فوجب أن يكون قادرا على أن يعيدهم بعد أن أفناهم. ووجه الاستدلال به على نفي عبادة الأوثان، من حيث إن عبادة من خلقكم وخلق الأرض وكل ما فيها من النعم هي الواجبة دون عبادة ما لا يضر ولا ينفع، وقوله: ( أفلا تذكرون ) معناه الترغيب في التدبر ليعلموا بطلان ما هم عليه.

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها: قوله : ( من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ) ووجه الاستدلال على الأمرين كما تقدم ، وإنما قال: ( أفلا تتقون ) تنبيها على أن اتقاء عذاب الله لا يحصل إلا بترك عبادة الأوثان والاعتراف بجواز الإعادة .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها: قوله تعالى : ( قل من بيده ملكوت كل شيء ) .

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أنه سبحانه لما ذكر الأرض أولا والسماء ثانيا عمم الحكم هاهنا، فقال : من بيده ملكوت كل شيء، ويدخل في الملكوت الملك والملك على سبيل المبالغة، وقوله: ( وهو يجير ولا يجار عليه ) يقال: أجرت فلانا على فلان : إذا أغثته منه ومنعته. يعني وهو يغيث من يشاء ممن يشاء، ولا يغيث أحد منه أحدا.

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( فأنى تسحرون ) فالمعنى أنى تخدعون عن توحيده وطاعته، والخادع هو الشيطان والهوى. ثم بين تعالى بقوله: ( بل أتيناهم بالحق ) أنه قد بالغ في الحجاج عليهم بهذه الآيات وغيرها وهم مع ذلك كاذبون، وذلك كالتوعد والتهديد، وقرئ (أتيتهم) و (أتيتهم) بالضم والفتح . وهاهنا سؤالات:

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الأول: قرئ (قل لله) في الجواب الأول باللام لا غير، وقرئ (الله) في الأخيرين بغير اللام في مصاحف أهل الحرمين والكوفة والشام، وباللام في مصاحف أهل البصرة ، فما الفرق؟ الجواب: لا فرق في المعنى; لأن قولك: من ربه، ولمن هو؟ في معنى واحد.

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الثاني: كيف قال: ( إن كنتم تعلمون ) ثم حكى عنهم (سيقولون الله) وفيه تناقض؟ الجواب: لا تناقض ؛ لأن قوله : ( إن كنتم تعلمون ) لا ينفي علمهم بذلك. وقد يقال مثل ذلك في الحجاج على وجه التأكيد لعلمهم والبعث على اعترافهم بما يورد من ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية