الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فقوله - تعالى - : وضرب لنا مثلا معطوف حينئذ على الجملة المنفية داخل في حيز الإنكار، وأما على الأول فهو عطف على الجملة الفجائية، والمعنى ففاجأ خصومتنا وضرب لنا مثلا أي أورد في شأننا قصة عجيبة في نفس الأمر هي في الغرابة كالمثل وهي إنكار إحيائنا العظام، أو قصة عجيبة في زعمه واستبعدها وعدها من قبيل المثل وأنكرها أشد الإنكار وهي إحياؤنا إياها، أو جعل لنا مثلا ونظيرا من الخلق وقاس قدرتنا على قدرتهم ونفى الكل على العموم، وقوله - تعالى - : ونسي خلقه أي خلقنا إياه على الوجه المذكور الدال على بطلان ما ضربه - إما عطف على "ضرب" داخل في حيز الإنكار والتعجيب أو حال من فاعله بإضمار (قد) أو بدونه، ونسيان خلقه بأن لم يتذكره على ما قيل، وفيه دغدغة، أو ترك تذكره لكفره وعناده، أو هو كالناسي لعدم جريه على مقتضى التذكر وقوله سبحانه قال استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية ضربه المثل كأنه قيل: أي مثل ضرب؟ أو: ماذا قال؟ فقيل: قال من يحيي العظام وهي رميم منكرا ذلك ناكرا من أحوال العظام ما تبعد معه من الحياة غاية البعد وهو كونها رميما أي بالية أشد البلى، والظاهر أن (رميم) صفة لا اسم جامد؛ فإن كان من رم اللازم بمعنى بلي فهو فعيل بمعنى فاعل، وإنما لم يؤنث لأنه غلب استعماله غير جار على موصوف فألحق بالأسماء الجامدة، أو حمل على فعيل بمعنى مفعول وهو يستوي فيه المذكر والمؤنث، وقال محيي السنة: لم يقل "رميمة" لأنه معدول من فاعلة فكل ما كان معدولا عن وجهه ووزنه كان مصروفا عن أخواته، ومثله "بغيا" في قوله تعالى وما كانت أمك بغيا أسقط الهاء منها لأنها كانت مصروفة عن باغية، وقال الأزهري : إن عظاما لكونه بوزن المفرد ككتاب وقراب عومل معاملته فقيل "رميم" دون "رميمة" وذكر له شواهد، وهو غريب. وإن كان من رم المتعدي بمعنى أبلى يقال: رمه أي أبلاه، وأصل معناه الأكل كما ذكره الأزهري من رمت الإبل الحشيش فكان ما بلي أكلته الأرض فهو فعيل بمعنى مفعول، وتذكيره على هذا ظاهر للإجماع على أن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث. وفي المطلع: الرميم اسم غير صفة كالرمة والرفات لا فعيل بمعنى فاعل أو مفعول ولإجل أنه اسم لا صفة لا يقال: لم لم يؤنث وقد وقع خبرا لمؤنث؟ ولا يخفى أن له فعلا وهو رم كما ذكره أهل اللغة وهو وزن من أوزان الصفة فكونه جامدا غير ظاهر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية