الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء

( ( وصار من عادة أهل العلم أن يعتنوا في سبر ذا بالنظم ) )      ( ( لأنه يسهل للحفظ كما
يروق للسمع ويشفي من ظما ) )      ( ( فمن هنا نظمت لي عقيدة
أرجوزة وجيزة مفيدة ) )      ( ( نظمتها في سلكها مقدمه
وست أبواب كذاك خاتمه ) )



( ( وصار ) ) في هذه الأزمنة ومن قبلها في سائر الأمصار ، بعد كثرة الخلاف ، وتباين الفرق ، وظهور البدع من قديم الأعصار ( من عادة أهل العلم ) بالسنة الدائبين في تحرير أدلتها ، والقائمين بنشرها وتعليمها ، والوقوف على أصولها وتبين دقائق محال الخلاف لخوف الزيغ والانحراف ، ( أن يعتنوا ) أن يقصدوا ويشتغلوا ويهتموا ( في سبر ) أي تتبع مهمات مسائل ( ذا ) أي هذا العلم الذي هو علم التوحيد وضبط أمهات تفاصيله ( بالنظم ) لسهولة حفظه ; لأنه كلام متسق مقفى موزون ، فيرسخ في الحافظة من غير مزيد مشقة بخلاف المنثور ، فإنه أصعب رسوخا في الحافظة كما لا يخفى ، [ ص: 59 ] فمن ثم قلنا معللين للنظم " لأنه " أي المنظوم المفهوم من النظم ( يسهل ) ، يقال : سهل ككرم سهالة وسهلة وتسهيلا ، لان ويسر ومن الأرض ضد الحزن ، أي ييسر ( للحفظ ) والعلوق في الحافظة ( كما ) أنه ( يروق ) أي يحسن ويجمل ويلذ ( للسمع ) لكونه ينبسط له ، ويلتذ بسماعه لتقفيته ووزنه ، ( ويشفي ) أي يبرئ ( من ظما ) أي من شدة عطش واشتياق إلى معرفة أصول علم التوحيد ومهمات مسائله ، والظمأ مهموز العطش أو أشده ، وظمئ إليه اشتاق ، وترك الهمز للوزن ، ( فمن هنا ) أي من أجل ما ذكرنا من تمييز النظم على النثر ، ( نظمت ) النظم التأليف ، وضم شيء إلى آخر ، يقال : نظم اللؤلؤ ينظمه نظما ونظاما ألفه وجمعه ( لي ) ولمن كان مثلي واعتقاده اعتقادي على النحو الأثري ( عقيدة ) سلفية أثرية ( أرجوزة ) وزنها أفعولة كأفحوصة ، أي مرجزة النظم من الرجز ، أحد بحور الشعر على الأرجح ، وجمعها أراجيز ، قال الشاعر : "

أبالأراجيز يا ابن اللؤم توعدني

" .

( وجيزة ) أي قليلة ، من أوجز في كلامه إذا اختصره وقلله ، ( مفيدة ) أي مربحة لمن قرأها وتأمل معانيها حق التأمل ، ( نظمتها ) أي نظمت مسائلها ومهماتها ( في سلكها ) ، أي خيطها ، قال في القاموس : السلكة بالكسر الخيط يخاط بها ، والجمع سلك ، وجمع الجمع أسلاك ، ( مقدمه ) بكسر الدال المهملة على الأفصح اسم فاعل من قدم بمعنى تقدم ، ومنه ( لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) أي : لا تتقدموا عليه ، ومقدمة العلم ما يتوقف الشروع فيه عليها ، كمعرفة حده ورسمه ، وموضوعه وغاية المقصود منه ، ومقدمة الكتاب تقال لطائفة من كلامه قدمت أمام المقصود منه ; لارتباط له بها وانتفاع بها فيه ، ( وست أبواب ) جمع باب ، وهو فرجة في ساتر يتوصل بها من خارج إلى داخل ، ومن داخل إلى خارج ، وفي العرف اسم لطائفة من العلم يشتمل على فصول وفروع ومسائل غالبا ( كذاك ) ، أي كما أنه يشتمل على مقدمة وستة أبواب ، يشتمل على ( خاتمه ) ، وهي في اللغة عاقبة الشيء وآخرته ، وهنا من هذا القبيل ما يأتي بها المصنف أو الناظم في آخر كتابه أو في [ ص: 60 ] آخر بحث أو مسألة لتعلقها بما تقدمها في الجملة ، وهذه فهرست ما ذكرنا ، ( المقدمة ) في ترجيح مذهب السلف على غيره ( الباب الأول ) في معرفة الله - تعالى - وما يتعلق بذلك ، ( الثاني ) في الأفعال ، ( الثالث ) في الأحكام والكلام على الإيمان ومتعلقات ذلك ، ( الرابع ) في بعض السمعيات من الحشر والنشر وأشراط الساعة ونحو ذلك ، ( الخامس ) في النبوات ومتعلقاتها ، وفي ذكر فضل الصحابة وأفضلهم ، ( السادس ) في ذكر الإمامة ومتعلقاتها ، ( والخاتمة ) في فوائد جليلة ، وفرائد جزيلة ، لا يسع الجهل بها ، وستمر بك بابا بابا إن شاء الله - تعالى . ولما نظمت هذه العقيدة الأثرية :

التالي السابق


الخدمات العلمية