الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( كمدعيه على صالح وفي حلف المجهول قولان )

                                                                                                                            ش : قال في كتاب الغصب منها : ومن ادعى على رجل غصبا وهو ممن لا يتهم بهذا عوقب المدعي وإن كان متهما نظر فيه الإمام وأحلفه فإن نكل لم يقض عليه حتى يرد اليمين على المدعي كسائر الحقوق ، انتهى . قال أبو الحسن الصغير : قال ابن يونس الناس في هذا على ثلاثة أوجه فإن كان المدعى عليه الغصب ممن يليق به ذلك هدد وسجن فإن لم يخرج شيئا حلف .

                                                                                                                            وفائدة تهديده لعله يخرج عين ما غصب إذا كان يعرف عينه وأما ما لا يعرف فلا فائدة في تهديده ; إذ لو أخرج بالتهديد ما لا يعرف بعينه لم يؤخذ منه حتى يقر آمنا وإن كان من وسط الناس لا يليق به سرقة لم يلزمه يمين ولا يلزم راميه بذلك شيء وإن كان من أهل الدين والخير لزم القائل بذلك الأدب وقال في آخر كتاب السرقة من النكت : قال بعض شيوخنا من أهل بلدنا : المتهم بالسرقة على ثلاثة أوجه فمبرز بالعدالة والفضل لا شيء عليه ويؤدب له المدعى عليه ومتهم معروف بهذا فيحلف ويهدد ويسجن على قدر ما يرى الحاكم فيه من الاجتهاد ورجل متوسط الحال بين هذين يكون عليه اليمين ، انتهى . وقال اللخمي في تبصرته : ومن ادعي عليه الغصب كان الحكم في تعلق اليمين والعقوبة راجعا إلى حال المدعى عليه فإن كان معروفا بالخير والصلاح عوقب المدعي وإن لم يكن معروفا بذلك وأشكل حاله لم يعاقب المدعي ولم يحلف المدعى عليه وإن كان ممن يشبه ذلك وليس معروفا به حلف ولم يعاقب المدعي وإن نكل حلف المدعي واستحق وإن كان معروفا بالتعدي والغصب حلف وضرب وسجن فإن تمادى على الجحود ترك واختلف إذا اعترف بعد التهديد على ثلاثة أقوال فقيل : لا يؤخذ بإقراره عين المدعى فيه أو لم يعينه ; لأنه مكره وقيل : إن عين أخذ به وإن لم يعين لم يؤخذ بإقراره وقال سحنون .

                                                                                                                            ويؤخذ بإقراره عين المدعى فيه أو لم يعينه قال : ولا يعرف ذلك إلا من ابتلي به يريد القضاة وما شابههم يقول إن ذلك الإكراه كان بوجه جائز وإن كان من الحق عقوبته وسجنه لما عرف من حاله أخذ بإقراره وإنما الإقرار الذي لا يؤخذ به ما كان ظلما أن يهدد ويضرب من لا يجوز فعل ذلك به وقد أجمع الناس على من أسلم بعد القتال والسيف أنه مسلم كالطائع بغير إكراه ; لأنه إكراه بحق ولو أكره [ ص: 276 ] ذمي على الإسلام لم يكن إسلامه إسلاما إن رجع عنه وإن ادعى أن ذلك كان للإكراه ; لأن الذمة التي عقدت لهم تمنع من إكراههم فإكراههم على ذلك ظلم ، انتهى .

                                                                                                                            وفي الفصل الثالث من القسم الثالث من تبصرة ابن فرحون في الدعاوى بالتهم والعدوان ما نصه : إذا كان المدعى عليه بذلك ليس من أهل تلك التهمة فهذا النوع لا تجوز عقوبته اتفاقا واختلف في عقوبة المتهم له على قولين والصحيح منهما أنه يعاقب ثم قال في آخر الفصل : قال الباجي : وإذا كان المدعى عليه مجهول الحال فظاهر ما في المذهب يقتضي أن الأدب على المدعى عليه وعليه اليمين وفي الواضحة ما يقتضي أنه يخلى سبيله دون يمين وقد أطال رحمه الله في هذا الفصل الكلام فقول المؤلف : وفي حلف المجهول قولان . يشير إلى كلام ابن يونس المتقدم وكلام الباجي الذي نقله ابن فرحون وانظر ما ذكره البساطي رحمه الله والله أعلم .

                                                                                                                            ( فرع ) قال في ثاني مسألة من سماع يحيى من كتاب الغصب فيمن عرف بالغصب لأموال الناس فسئل صاحب الحق البينة على أنه غصبه ما يدعيه فلا يجدها على حضور الغصب ومعاينته لكنهم إنما كانوا يعرفون الحق للمدعي إلى أن صار بيد الظالم لا يدرون كيف صار إليه إلا أن صاحب الحق كان يشكو إليهم أنه غصبه أو سمعوا ذلك من جيرانهم أو لا يذكرون شيئا أن ذلك يوجب للمدعي أخذ حقه إلا أن يأتي الظالم ببينة على اشتراء صحيح أو عطية ممن كان يأمن ظلمه أو يأتي بوجه حق ينظر فيه فإن جاء بالبينة على أنه اشترى فزعم البائع أن ذلك البيع كان خوفا من شره وهو ممن يقدر على العقوبة إن امتنع من مبايعته قال : أرى أن يفسخ ذلك البيع إذا ثبت أن المشتري موصوف بما زعم البائع من استطالته وظلمه وأنه قد عمل ذلك بغيره .

                                                                                                                            ( قلت ) فإن زعم البائع أنه إنما دفع إليه الثمن في العلانية ثم دس إليه من يأخذه منه سرا ولو لم يفعل ذلك لقي منه شرا قال : لا أرى أن يقبل قوله وعليه دفع الثمن بعد أن يحلف الظالم بالله لقد دفع إليه الثمن ثم لم يرتجعه ولم يأخذه منه بعد دفعه إليه قال ابن رشد : أما ما ذكره من أن الظالم المعروف بالغصب لا ينتفع بالحيازة وإن طالت فلا أعلم فيه خلافا وأما إن ثبت الشراء ودفع الثمن فادعى البائع أنه أخذه منه في السر فهو مدع فوجب أن يكون القول قول الغاصب وقد روي عن يحيى أن المشتري إذا عرف بالعداء والظلم أن القول قول البائع مع يمينه وقاله ابن القاسم وقع ذلك في بعض الروايات وهو إغراق إذا أقر أنه دفع إليه الثمن ثم ادعى أنه أخذه منه وأما لو لم يقر بقبض الثمن وقال : إنما أشهدت له على نفسي بقبضه تقية على نفسي لأشبه أن يصدق في ذلك مع يمينه في المعروف بالغصب وإنما يكون قول يحيى من تصديق البائع فيما ادعى من أنه دس إليه من أخذ منه الثمن في السر إذا شهد له أنه قد فعل ذلك بغيره ، وبالله التوفيق ، انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية