الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وكره التقليد لمن خاف الحيف ) كي لا يكون ذريعة إلى مباشرة الظلم ، وهنا نسختان التقليد أي النصب من السلطان ، والتقلد أي قبول تقليد القضاء وهي الأولى ، والحيف بمعنى الجور والظلم من حاف عليه يحيف إذا جار وخوف عدم إقامة العدل لعجزه كخوف الجور فلو قال المؤلف لمن خاف الحيف أو العجز لكان أولى ; لأن أحدهما يكفي نص عليه القدوري ، والمراد بالكراهة كراهة التحريم ; لأن الغالب الوقوع في محظوره حينئذ ، ومحل الكراهة ما إذا لم يتعين عليه فإن انحصر صار فرض عين عليه وعليه ضبط نفسه إلا إن كان السلطان يمكن أن يفصل الخصومات ، ويتفرغ لذلك كذا في فتح القدير وإذا لم يمكن السلطان فصل القضايا وفي البلد قوم صالحون له أثموا كلهم كذا في البزازية ، ولم أر هل يفسق الممتنع الظاهر نعم لتركه الفرض إلا أن يقال إن للممتنع في الغالب تأويلا ، وهو مانع من الفسق ، ولم أر الآن هل يجبر الممتنع المنحصر فيه الظاهر جواز جبره على القبول لاضطرار الناس إليه كإطعام المضطر وسائر فروض الكفاية عند التعين ، وكذا جواز جبر واحد من المتأهلين وغير المتأهل كالمعدوم ( قوله وإن أمنه لا ) أي إن أمن الحيف لم يكره التقليد ; لأن كبار الصحابة والتابعين تقلدوه ، ولم يتعرض المصنف لكون الدخول فيه عند الأمن رخصة فالأولى تركه أو عزيمة فالأولى الدخول فيه للاختلاف ، قال في البزازية وعامة المشايخ على أن التقلد رخصة والترك عزيمة ، وقد دخل في القضاء قوم صالحون وتحامى منه قوم صالحون وترك الدخول أصلح دينا ودنيا ، وفي فتح القدير وإن أمن أبيح رخصة والترك هو العزيمة ; لأنه وإن أمن فالغالب خطأ ظن من ظن من نفسه الاعتدال فيظهر منه خلافه ا هـ .

                                                                                        فالحاصل أنه فرض عين إن تعين وفرض كفاية للمتأهل عند وجود غيره لكن رخصة ومكروه عند خوف العجز أو الحيف ، وينبغي أن يكون حراما عند غالب ظنه أنه يجور في الحكم ومباح كما قدمناه ففيه الأحكام الخمسة أما غير الأهل فيحرم عليه الدخول فيه قطعا ، ولم أر حكم ما إذا خاف الجور مع التعين ومقتضى كلامهم في النكاح أن لا يجوز له القبول تقديما للمحرم على المبيح ، وإن كان فرضا وقد روي أن أبا حنيفة دعي للقضاء ثلاث مرات فأبى حتى حبس وجلد كل مرة ثلاثين سوطا حتى قال له أبو يوسف : لو تقلدت لمنفعة الناس . فنظر إليه شبه المغضب فقال : لو أمرت أن أقطع البحر سباحة لكنت أقدر عليه فكأني بك قاضيا ، نكس رأسه ولم ينظر إليه بعد ، هذا يدل على كراهة الدخول فيه وهو قول البعض ، قدمنا أنه لا يكره للقادر عليه ، وظاهر [ ص: 295 ] كلام الإمام أنه عرف من نفسه عدم القدرة ، لذا لم يقبل ، به صرح في فتح القدير أنه لا يجوز القبول إلا لمن أجبر عليه ، ولذا ضرب الإمام أياما وقيد بضعا وخمسين ، امتنع في الأصح من القبول ، مات على الإباء كذا في البزازية ، حاصل ما ذكره البزازي في مناقبه روايات الأولى أن الإمام لما أكرهه المنصور على القضاء وأبى حبسه وضربه ثلاثة أيام ومات في الحبس مبطونا .

                                                                                        الثانية أنه حبس مرتين على القضاء والفتيا ، ثم أخرج ولزم بيته ومنع من الجلوس للناس إلى أن مات . الثالثة أنهم لما عجزوا منه قتلوه بالسم . الرابعة أنه طيف به في الأسواق . الخامسة أنه لما أحس بالسم سجد فخرجت روحه ساجدا سنة خمسين ومائة ، ومن غريب ما وقع أنه جيء بجنازته فازدحم الناس فلم يقدروا على دفنه إلا بعد العصر ، واستمر الناس يصلون عليه على قبره عشرين يوما ، وحزر من صلى عليه خمسون ألفا ثم قال والجمهور على أنه لم يقبل القضاء ، وأنه مات بالسم ، وقيل قبله يومين أو ثلاثة لأجل بر المنصور في يمينه ثم ترك .

                                                                                        ثم اعلم أن واقعة المنصور معه هي الفتنة الثانية للإمام ، والأولى أكرهه ابن هبيرة والي الكوفة على قضائها ، وضربه به على رأسه حتى انتفخ وجهه وحبسه فرأى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بإطلاقه وتمامه فيها ، ولم يذكر الشارحون المولى للقضاة ، وظاهر كلامهم أنه الخليفة أو السلطان وعند الإمام الثاني الأمير الذي ولاه السلطان ناحية ، وجعل له خراجها وأطلق له التصرف في الرعية وما تقتضيه الإمارة له أن يقلد ويعزل بخلاف ما إذا فوض إليه الأموال فقط ، وعنه أيضا إذا كان القضاء من الأصل ومات القاضي ليس للأمير أن ينصب قاضيا ، وإن ولي عشرها وخراجها وإن حكم الأمير لم يجز حكمه فإذا جاء هذا المولى بكتاب الخليفة إليه من الأصل لا يكون إمضاء لقضائه كذا في البزازية ، وللسلطان أن يفوض التولية للقضاء إلى غيره ، ولو كان المفوض إليه عبدا بطريق النيابة بخلاف ما إذا حكم العبد بنفسه لم يصح ، ويشترط للسلطان المولي للقضاة البلوغ لما في البزازية مات السلطان واتفقت الرعية على سلطنة ابن صغير له ينبغي أن يفوض أمور التقليد إلى وال ، ويعد هذا الوالي نفسه تبعا لابن السلطان لشرفه ، والسلطان في الرسم هو الابن وفي الحقيقة هو الوالي لعدم صحة الإذن والجمعة لمن لا ولاية له ا هـ .

                                                                                        وفيها أيضا السلطان أو الوالي إذا بلغ يحتاج إلى تقليد جديد ، وكذا النصراني إذا استؤمر وفي العبد روايتان ولو اجتمع أهل بلدة على تولية واحد القضاء لم يصح بخلاف ما إذا ولوا سلطانا بعد موت سلطانهم فإنه يجوز منها أيضا ، ولا بد في صحة التولية من تعيين القاضي فلو قال السلطان وليت عالما أو أحد هذين أو فلانا وفلانا لم يصح أخذا مما في البزازية ، لو قال السلطان للوالي قلد من شئت يصح ولو قال قلد أحدا لم يصح كقوله لوكيله وكل من شئت يصح وكل أحد لا . ا هـ .

                                                                                        والتولية للقاضي إما بالمشافهة للقاضي بقوله وليتك قضاء بلدة كذا أو جعلتك قاضي القضاة ونحو ذلك أو بإرسال ثقة إليه بذلك أو بكتاب ، وفي البزازية كان الفقيه أبو جعفر يقول كان الفقيه أبو بكر الإسكاف يقول تولية القضاء في ديارنا غير صحيح ; لأن المولي لا يواجههم بالتقليد ، وإنما يكتب المنشور ويكتب في كل فصل عادة من تقدم إن شاء الله تعالى فيبطل المقدم ولو محاه بعده لا ينقلب صحيحا كما لو كتب أنت طالق إن شاء الله تعالى ثم محى المبطل لا يقع الطلاق ا هـ .

                                                                                        ولا يشترط لصحة التولية قبوله لها ، وإنما يشترط عدم رده بشرط بلوغه الرد كالوكالة لما في البزازية السلطان إذا قلده القضاء فرده مشافهة ، ثم قيل لا يصح وإن بعث إليه منشورا أو أرسل إليه فرده ، ثم قبل إن قبل قبل بلوغ الرد إلى السلطان يصح القبول لا بعد بلوغ الرد إليه ، وكذا الوكيل برد الوكالة ثم يقبل وكذا إذا كتبت المرأة إلى رجل زوجت نفسي منك فبلغ الكتاب إليه فرده ثم قبل [ ص: 296 ] والرسالة كالكتابة . ا هـ .

                                                                                        ولم أر لأصحابنا مجموعا ما يستفيده القاضي بالتولية ، وقد جمعته من مواضعه فيملك الحكم الثابت ببينة أو إقرار أو نكول عن اليمين بعد استيفاء الشرائط الشرعية للحكم ، ويملك حبس الممتنع عن أداء الحق ومن وجب عليه تعزير ورأى حبسه لقولهم : إنه مفوض إلى رأيه ، ويملك إقامة التعازير ما كان حقا لله تعالى بلا طلب أحد وما كان حق عبد بطلبه ، ويملك إقامة الحدود كما صرحوا به في بابها وفي تهذيب القلانسي أنها إلى الإمام ، وأمراء الأمصار دون أمراء السواد وعمال الخراج في الرساتيق ا هـ .

                                                                                        ويملك تزويج اليتامى والأيتام حيث لا ولي لهم لكن بشرط أن يكتب في منشوره ذلك ، وظاهر كلامهم في باب الأولياء أنه لا يكفي في هذه توليته له قاضي القضاة ويملك الاستخلاف بالإذن الصريح أو بقوله جعلتك قاضي القضاة ، وإلا فلا يملك ويملك ولاية أموال غير المكلفين ممن لا ولي له ، وأما من له ولي فلا إلا أن يتصرف غير صالح فله نقضه أو كان مبذرا مسرفا فله منعه كما في بيوع الخانية ، ويملك ولاية الوقوف ولو شرط الواقف أن لا ولاية له في وقفه فشرطه باطل كما قدمناه في الوقف ، ويبحث عن ولاتها فيعزل الخائن عنها ولو كان ابن الواقف ويحاسبهم ويحلف من يتهمه منهم كما قدمناه في الوقف ، وله نصب الأوصياء إن لم يكن للميت وصي وفي البزازية من التاسع في نصب الوصي من كتاب القضاء .

                                                                                        قال الإمام الحلواني للقاضي أن ينصب الوصي في مواضع إذا كان في التركة دين مهرا كان الدين أو غيره بشرط امتناع الوارث الكبير من البيع للقضاء أو وصية أو صغيرة فينصبه القاضي لقضاء الدين أو لتنفيذ الوصية أو لحفظ مال الصغير ، وكذا لو كان أبو الصغير مبذرا متلفا لمال الصغير ينصب وصيا لحفظ ماله ، ولو اشترى الوارث من مورثه شيئا ثم اطلع بعد موته على عيب نصب القاضي وصيا حتى يرده الأب عليه ، وقيد الخصاف نصب الوصي فيما إذا كان على الميت دين له وارث كبير غائبا بانقطاعه عن بلد المتوفى لا يأتي ولا تذهب القافلة ، فإن لم يكن منقطعا لا ينصب ، وكذا ينصب وصيا على الصغير عند غيبة أبيه ، واحتيج إلى إثبات حق الصغير إن كانت غيبة الأب منقطعة وإلا فلا وينصب وصيا عن المفقود لحفظ حقوقه ولا ينصب عن الغائب ا هـ .

                                                                                        فهذه سبعة مواضع يملك فيها نصب الوصي ، ثم رأيت ثامنا قال في القنية إذا كان المدعى عليه أصم أعمى أخرس فالقاضي ينصب عنه وصيا ، ويأمر المدعي بالخصومة معه إن لم يكن له أب أو جد أو وصيهما ا هـ .

                                                                                        قال في البزازية بعدها ، وإنما يلي النصب إذا كان مأذونا بالاستخلاف وينصب عدلا أمينا كافيا لا غريبا لا يعرف ، ويثبت ذلك بإخبار عدل ، ويشترط في نصب الوصي على اليتيم كونه في ولاية القاضي لا التركة ، وفي الوقف كون المدعى عليه في ولايته هكذا اختاره القاضي ، وفيه اختلاف ويملك البيع على المديون لإيفاء دينه على القول المفتى به كما صرحوا به في الحجر ، وله ولاية إقراض اللقطة من الملتقط ، وولاية إقراض مال الغائب وله بيع منقوله إذا خاف عليه التلف إذا لم يعلم مكان الغائب فإذا علم مكانه بعث إليه ; لأنه يمكنه حفظ العين والمالية دل هذا على [ ص: 297 ] أنه يملك بعث مال الغائب إليه إذا خاف التلف وله نصب وكيل في جمع غلات المفقود طلب الوارث أو لا ، له إيفاء ديون الغائب بماله بالحصص وبيع ماله لإيفاء دينه إذا كان دينه ثابتا عنده ، وله الإرسال خلف من نسب إلى طلاق زوجته الثلاث إذا أخبره عدلان ، وإن لم تطلبه المرأة الكل من البزازية من نوع في ولاية القاضي .

                                                                                        قال : وليس له أن يزوج أم ولد الغائب وله الإذن بالإنفاق على مال الغائب وزوجته وأولاده وأصله من ماله كما قدمناه في النفقات ، وله فرض النفقة على الزوج إذا لم يكن صاحب مائدة وطعام كثير وفي جامع الفصولين للقاضي إيداع مال الغائب وله الإذن في بيع شيء باعه مالكه لرجل وغاب المشتري ليأخذ ثمنه من ثمنه لو من جنسه ، ولو كانت دابة فله الإذن بإجارتها وعلفها من أجرتها ، وله الإذن ببيع الجارية المغصوبة لو كان مالكها غائبا ولو من الغاصب فيحل له وطؤها ، وإن حضر مالكها كان له على ذي اليد ثمنها ، ولا يملك تزويج أمة الغائب والمجنون وقنهما وله أن يكاتبهما ويبيعهما ، وله أن يقبض دين غائب من محبوسه ، وله أن يضعه عند عدل وله إطلاق محبوسه بكفيل بنفسه ، وله الإذن ببيع وديعة خيف فسادها وربها غائب كصوف ، وله بيع دار الميت إذا لم يعلم له وارث وإذا علم جاز أيضا حفظا ، وله بيع الآبق وله إجارة بيع بيت المفقود لو خيف خرابه لو لم يسكن ، وله قبض المغصوب الغائب من غاصبه ، وله أخذ وديعة المفقود وإيداعها عند من يثق به ا هـ .

                                                                                        ما في جامع الفصولين ملخصا ، وأما إقامة الجمع والأعياد فيملكها القاضي إن كانت في منشوره ، وإلا فلا وقول محمد للقاضي أن يجمع جملة المشايخ على هذا كذا في البزازية من أول القضاء ، وله النظر في الطريق فيمنع متعديا فيها ببناء وإشراع جناح لا يجوز ، وله نصب القسام كما ذكروه في كتاب القسمة ، وله نصب أئمة المساجد ، ولم أر حكم نصبه للمحتسبين ، وينبغي أن يكون له ذلك إن لم ينصب الإمام أحدا ، وأما نصب العاشر والجابي للزكوات فإلى الإمام كأخذ الجزية والخراج وما يتعلق بأموال بيت المال .

                                                                                        [ ص: 294 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 294 ] ( قوله إلا إن كان السلطان يمكنه أن يفصل الخصومات إلخ ) . قال الرملي هذا صريح في أن للسلطان أن يقضي بين الخصمين ، وبه صرح في الفواكه البدرية حيث قال الحاكم : إما الإمام أو القاضي أو المحكم أما الإمام فقد قال علماؤنا حكم السلطان العادل ينفذ واختلفوا في المرأة فيما سوى الحدود والقصاص . ا هـ .

                                                                                        وسيأتي في شرح قوله وتقضي المرأة في غير حد وقود أنها تصلح للسلطنة وفي الخلاصة جنس آخر ، وفي النوازل السلطان إذا حكم بين اثنين لا ينفذ وفي أدب القاضي للخصاف ينفذ وهو الأصح ، وقال القاضي الإمام وهذا أصح وبه يفتى ا هـ .

                                                                                        ذكره في الفصل الرابع من كتاب القضاء فظهر ضعف الرواية التي نقلها ابن حجر عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى ( قوله الظاهر جواز جبره ) يخالفه ما في الاختيار حيث قال ومن تعين له يفترض عليه ولو امتنع لا يجبر عليه ا هـ .

                                                                                        ( قوله ولم أر حكم ما لو خاف الجور مع التعين ) قد ذكر [ ص: 295 ] حكمه قريبا عن الفتح حيث قال ومحل الكراهة ما إذا لم يتعين عليه فإذا انحصر صار فرض عين عليه وعليه ضبط نفسه إلخ على أن قوله وإن كان فرضا يدفع التوقف وما استدل به تأمل [ ص: 296 ] ( قوله ولا ينصب على الغائب ) في جامع الفصولين عن فتاوى رشيد الدين للقاضي نصب الوصي لو كان وارثه غائبا ، ويكتب في نسخة الوصاية أنه جعله وصيا ووارثه غائب مدة السفر ا هـ .

                                                                                        ووفق الشيخ خير الدين في حاشيته على الفصولين بإمكان حمل الأول على ما إذا كان معروفا ، ولم تكن غيبته منقطعة وعلى ما لم تدع إليه الضرورة قال وسيأتي ما يؤيده وتقدم ما يؤيده أيضا ا هـ . ويأتي قريبا أن له إقراض مال الغائب .

                                                                                        ( قوله ثم رأيت ثامنا إلخ ) قال الرملي وفي واقعات الناطفي رجل مات وأوصى إلى رجل فادعى إنسان دينا على الميت والوصي غائب نصب القاضي خصما عن الميت حتى يخاصم الغريم ليصل إلى حقه وفي شرح أدب القاضي المنسوب إلى صاحب المحيط أن القاضي ينصب وصيا يدعي عليه ، وإن لم يكن الوارث غائبا في رواية كذا في الفصول العمادية ( قوله : ويشترط في نصب الوصي على اليتيم إلخ ) وفي الظهيرية أن الصحيح اشتراط حضور الصبي عند القاضي في نصب الوصي للزوم الإشارة إليه وفي مبسوط شمس الأئمة الحلواني أنه لا يشترط في صحة نصب الوصي كون اليتيم أو التركة في ولايته وفي فتاوى القاضي إذا نصب وصيا في تركة أيتام وهم في ولايته والتركة ليست في ولايته أو كانت التركة في ولايته والأيتام لم يكونوا في ولايته أو كان بعض التركة في ولايته والبعض لم يكن في ولايته ، قال شمس الأئمة الحلواني يصح النصب على كل حال ، ويكون الوصي وصيا في جميع التركة أينما كانت التركة ، وكان ركن الإسلام علي السغدي يقول ما كان من التركة في ولايته يصير وصيا وما لا فلا أدب الأوصياء من فصل النصب وتمامه فيه ( قوله دل هذا على [ ص: 297 ] أنه يملك بعث مال الغائب إليه إلخ ) ، هذا مصرح به في الخانية ونصها كما في الحامدية وللقاضي أن يبعث مال الغائب إلى الغائب إذا خاف الهلاك ، وله أن يأخذ مال اليتيم من والده إذا كان الوالد مسرفا مبذرا ويضعه على يد عدل إلى أن يبلغ اليتيم خانية في فصل من يقضي في المجتهدات . ( قوله وأما إقامة الجمع والأعياد فيملكها القاضي إن كانت في منشوره ) قلت : وفي زماننا يؤذن القاضي بنصب الخطيب إذا مات خطيب الجامع ، ويكتب إلى السلطنة العلية ليقرره فيها ، وليس مأذونا في نصب الخطيب ابتداء هكذا أخبرني ترجمان القاضي لحادثة اقتضت ذلك ، ومقتضى هذا أنه ليس له إقامتها بنفسه ، ولكن كنت مرة في جامع بني أمية وقد مات الخطيب ، وكان نائبا عن رجل فخرج الأصيل ليخطب وكان حديث السن والقاضي حاضر في الجامع فغضب من ذلك ، وأنزله من المنبر وأخرج نائب القاضي فخطب بالناس وصلى وضج الناس وصاروا يتحدثون بأن هذه الجمعة لم تصح حيث لم يأذن الخطيب لنائب القاضي فلا أدري هل ذلك جهل من ذلك القاضي أو كان مأذونا والله تعالى أعلم .




                                                                                        الخدمات العلمية