الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله فإن تقلد يسأل ديوان قاض قبله ) شروع فيما يفعله القاضي إذا تقلده فإن كان في البلد ينبغي أن يقرأ المنشور على أهل البلد إن كتب له ، وإن قدم من خارج ينبغي أن يقدم يوم الاثنين أو الخميس لابسا عمامة سوداء ، وينزل وسط البلد ويقرأ عليهم منشوره ولم أره صريحا الآن ثم رأيته في شرح أدب القضاء للخصاف ، ثم يطلب ديوان القاضي السابق ; لأنه إنما وضع للحاجة فيجعل في يد من له ولاية القضاء ; لأن القاضي يكتب نسختين إحداهما في يده لاحتمال الحاجة إليها والأخرى في يد الخصم وما في يده لا يؤمن عليه ، والديوان لغة جريدة الحساب ثم أطلق على الحاسب ، ثم أطلق على موضع الحاسب وهو معرب ، والأصل دوان فأبدلت من إحدى المضعفين ياء بالتخفيف ولهذا يرد في الجمع إلى أصله فيقال دواوين وفي التصغير دويوين ; لأن التصغير وجمع التكسير يردان الأسماء إلى أصولها ، ودونت الديوان أي وضعته وجمعته ، ويقال إن عمر رضي الله تعالى عنه أول من دون الدواوين في العرب أي رتب الجرائد للعمال وغيرها كذا في المصباح والمراد به هنا ما ذكره بقوله ( وهو الخرائط التي فيها السجلات والمحاضر وغيرها ) أي الديوان والخرائط جمع خريطة مثل كريمة وكرائم ، وهي شبه كيس يشرج من أديم وخرق كذا في المصباح ، وهذا مجاز ; لأن الديوان نفس السجلات والمحاضر لا الكيس كما أفاده مسكين ، والسجلات جمع سجل وهو لغة كتاب القاضي والمحاضر جمع محضر ، وذكر العلامة خسرو في شرح الدرر والغرر أن المحضر ما كتب فيه خصومة المتخاصمين عند القاضي وما جرى بينهما من الإقرار من المدعى عليه أو الإنكار فيه ، والحكم بالبينة أو النكول على وجه يرفع الاشتباه ، وكذا السجل والصك ما كتب فيه البيع والرهن والإقرار وغيرها والحجة والوثيقة متناولان الثلاثة ا هـ .

                                                                                        وفي العرف الآن السجل ما كتبه الشاهدان في الواقعة ، وبقي عند القاضي وليس عليه خط القاضي والحجة ما نقل من السجل من الواقعة وعليه علامة القاضي أعلاه وخط الشاهدين أسفله وأعطي للخصم ، وفي قوله إن دون إذا إشارة إلى أن تقلده نادر غير كائن لا يتقلده إلا مغرور بحديث النفس إليه ، أشار مسكين وأراد بغيرها محاسبات الأوقاف وكل شيء كان فيه مصالح الناس مما يتعلق بالقاضي المعزول وأطلقه فشمل ما إذا كان الورق من بيت المال أو من مال أرباب [ ص: 300 ] القضايا ، وهو الصحيح وما إذا كان من مال القاضي في الصحيح ; لأنه أخذه تدينا لحفظ أمور المسلمين لا تمولا ، ويبعث المولى اثنين أو واحدا مأمونا ليقبضاها من المعزول أو أمينه ويسألان منه شيئا فشيئا ، ويجعلان كل نوع في خريطة ليكون أسهل للتناول ، وهذا السؤال لكشف الحال لا للزوم العمل بمقتضى الجواب من القاضي فإنه التحق بسائر الرعايا بالعزل ، ثم إذا قبضاه ختما عليه خوفا من التغيير ، وأما ما قيل يكتبان عدد ضياع الوقوف ومواضعها فلا حاجة إليه فإن كتب الأوقاف تغني عنه ، وأشار إلى أن المولى بمجرد توليته لا يتأخر عن النظر فيما فوض له فإن تأخر لغير عذر عزله الإمام ، ولذا قال الصدر الشهيد إن عمر رضي الله عنه استقضى رجلا على الشام يقال له حابس بن سعد الطائي على قضاء حمص قال له يا حابس كيف تقضي قال أقضي بما في كتاب الله تعالى قال فإن لم يكن في كتاب الله تعالى قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإن لم يكن في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال أجتهد برأيي وأستشير جلسائي فقال عمر رضي الله عنه أصبت وأحسنت ثم لقي عمر ذلك الرجل فقال ما منعك أن تسير إلى عملك قال يا أمير المؤمنين إني رأيت رؤيا هالتني أي خوفتني قال : وما هي ؟ قال رأيت كأن الشمس والقمر يقتتلان رأيت كأن الشمس أقبلت من المشرق في جمع كثير ، ورأيت كأن القمر أقبل من المغرب في جمع كثير حتى اقتتلا قال فمع أيهما كنت قال مع القمر فقرأ عمر رضي الله عنه { وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة } كنت مع القمر في مغرب الشمس اردد إلينا عهدنا فقتل بعد بصفين مع معاوية ، فيدل على أن للإمام عزل القاضي إذا تأخر وعلى التفاؤل وتمامه في شرح أدب القضاء للخصاف .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية