الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 294 ] قال تعالى : ( قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون ( 63 ) ) .

قوله تعالى : ( هؤلاء ) : فيه وجهان :

أحدهما : هو مبتدأ ، و " الذين أغوينا " صفة لخبر " هؤلاء " المحذوف ؛ أي هؤلاء هم الذين أغوينا .

و ( أغويناهم ) : مستأنف ذكره أبو علي في التذكرة ؛ قال : ولا يجوز أن يكون " أغويناهم " خبرا ، و " الذين أغوينا " صفة ؛ لأنه ليس فيه زيادة على ما في صفة المبتدأ .

فإن قلت : فقد وصله بقوله تعالى : " كما غوينا " وفيه زيادة ؟ .

قيل : الزيادة بالظرف لا تصيره أصلا في الجملة ؛ لأن الظروف فضلات .

وقال غيره ، وهو الوجه الثاني : لا يمتنع أن يكون " هؤلاء " مبتدأ ، و " الذين " صفة . و " أغويناهم " الخبر من أجل ما اتصل به ، وإن كان ظرفا ؛ لأن الفضلات في بعض المواضع تلزم ، كقولك : زيد عمرو في داره .

قوله تعالى : ( ما كانوا إيانا يعبدون ) : " ما " نافية . وقيل : هي مصدرية ، والتقدير : مما كانوا يعبدون ؛ أي من عبادتهم إيانا .

قال تعالى : ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون ( 68 ) ) .

قوله تعالى : ( ما كان لهم الخيرة ) : " ما " هاهنا : نفي أيضا .

وقيل : هي مصدرية ؛ أي يختار اختيارهم ، بمعنى مختارهم .

قال تعالى : ( قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون ( 71 ) ) .

قوله تعالى : ( سرمدا ) : يجوز أن يكون حالا من الليل ، وأن يكون مفعولا ثانيا لجعل .

و ( إلى ) : يتعلق بسرمدا ، أو بجعل ، أو يكون صفة لسرمدا .

قال تعالى : ( ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ( 74 ) ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون ( 75 ) ) .

[ ص: 295 ] قوله تعالى : ( الليل والنهار لتسكنوا فيه ) : التقدير : جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ، والنهار لتبتغوا من فضله ، ولكن مزج اعتمادا على فهم المعنى .

و ( هاتوا ) : قد ذكر في البقرة .

قال تعالى : ( إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ( 76 ) ) .

قوله تعالى : ( ما إن مفاتحه ) : " ما " بمعنى الذي في موضع نصب بآياتنا ؛ وإن واسمها وخبرها صلة الذي ، ولهذا كسرت " إن " .

و ( لتنوء بالعصبة ) : أي تنيء العصبة ، فالباء معدية معاقبة للهمزة في أنأته ؛ يقال : أنأته ، ونؤت به . والمعنى : تثقل العصبة . وقيل : هو على القلب ؛ أي لتنوء به العصبة .

و ( من الكنوز ) : يتعلق بآتيناه . و ( إذ قال له ) : ظرف لآتيناه . ويجوز أن يكون ظرفا لفعل محذوف دل عليه الكلام ؛ أي بغى إذ قال له قومه .

قال تعالى : ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين ( 77 ) ) .

قوله تعالى : ( فيما آتاك ) : " ما " مصدرية ، أو بمعنى الذي ، وهي في موضع الحال ؛ أي وابتغ منقلبا فيما آتاك الله أجر الآخرة .

ويجوز أن يكون ظرفا لابتغ .

التالي السابق


الخدمات العلمية