الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        124 - الحديث الخامس : عن عائشة رضي الله عنها قالت { ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - بعد أن نزلت عليه { إذا جاء نصر الله والفتح } - إلا يقول فيها : سبحانك ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي وفي لفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي } .

                                        التالي السابق


                                        حديث عائشة فيه مبادرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى امتثال ما أمره الله تعالى به ، وملازمته لذلك . وقوله ( فسبح بحمد ربك ) فيه وجهان :

                                        أحدهما : أن يكون المراد أن يسبح بنفس الحمد لما يتضمنه الحمد من معنى التسبيح ، الذي هو التنزيه ، لاقتضاء الحمد نسبة الأفعال المحمود عليها إلى الله تعالى وحده . وفي ذلك نفي الشركة .

                                        الوجه الثاني : أن يكون المراد : فسبح متلبسا بالحمد . فتكون الباء دالة على الحال . وهذا يترجح . لأن النبي قد سبح وحمد بقوله " سبحانك وبحمدك " وعلى مقتضى الوجه الأول : يكتفى بالحمد فقط . وكأن تسبيح الرسول على هذا الوجه دليل على ترجيح المعنى الثاني .

                                        وقوله " وبحمدك " قيل معناه : وبحمدك سبحت . وهذا يحتمل أن يكون فيه حذف ، أي بسبب حمد الله سبحت . ويكون المراد بالسبب ههنا : التوفيق والإعانة على التسبيح ، واعتقاد معناه . وهذا كما روي عن عائشة في الصحيح [ ص: 317 ] بحمد الله لا بحمدك " أي وقع هذا بسبب حمد الله ، أي بفضله وإحسانه وعطائه . فإن الفضل والإحسان سبب للحمد ، فيعبر عنهما بالحمد . وقوله . " اللهم اغفر لي " امتثال لقوله تعالى { واستغفره } بعد امتثال قوله { فسبح بحمد ربك } وأما اللفظ الآخر : فإنه يقتضي الدعاء في الركوع وإباحته . ولا يعارضه قوله عليه السلام " أما الركوع : فعظموا فيه الرب ، وأما السجود : فاجتهدوا فيه بالدعاء " فإنه من هذا الحديث الجواز . ومن ذلك الأولوية بتخصيص الركوع بالتعظيم ويحتمل أن يكون السجود قد أمر فيه بتكثير الدعاء لإشارة قوله ( فاجتهدوا ) واحتمالها للكثرة . والذي وقع في الركوع من قوله " اغفر لي " ليس كثيرا . فليس فيه معارضة ما أمر به في السجود . وفي حديث عائشة الأول : سؤال . وهو أن لفظة " إذا " تقتضي الاستقبال وعدم حصول الشرط حينئذ . وقول عائشة " ما صلى صلاة . بعد أن نزلت عليه : { إذا جاء نصر الله } يقتضي تعجيل هذا القول ، لقرب الصلاة الأولى التي هي عقيب نزول الآية من النزول . و " الفتح " أي فتح مكة . و " دخول الناس في دين الله أفواجا " يحتاج إلى مدة أوسع من الوقت الذي بعد نزول الآية ، والصلاة الأولى بعده . وقول عائشة في بعض الروايات " يتأول القرآن " قد يشعر بأنه يفعل ما أمر به فيه . فإن كان الفتح ودخول الناس في دين الله أفواجا حاصلا عند نزول الآية . فكيف يقال فيها " إذا جاء " وإن لم يكن حاصلا ، فكيف يكون القول امتثالا للأمر الوارد بذلك ، ولم يوجد شرط الأمر به ؟ وجوابه : أن نختار أنه لم يكن حاصلا على مقتضى اللفظ . ويكون صلى الله عليه وسلم قد بادر إلى فعل المأمور به قبل وقوع الزمن الذي تعلق به الأمر فيه . إذ ذلك عبادة وطاعة لا تختص بوقت معين . فإذا وقع الشرط كان الواقع من هذا القول - بعد وقوعه - واقعا على حسب الامتثال ، وقبل وقوع الشرط ، واقعا على حسب التبرع . وليس في قول عائشة " يتأول القرآن " ما يقتضي - ولا بد - أن يكون جميع [ ص: 318 ] قوله صلى الله عليه وسلم واقعا على جهة الامتثال للمأمور ، حتى يكون دالا على وقوع الشرط ، بل مقتضاه : أن يفعل تأويل القرآن وما دل عليه لفظه فقط . وجاز أن يكون بعض هذا القول فعلا لطاعة مبتدأة ، وبعضه امتثالا للأمر والله أعلم .




                                        الخدمات العلمية