الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الشمس والقمر بحسبان .

جملة هي خبر رابع عن الرحمن وإلا كان ذكره هنا بدون مناسبة فينقلب اعتراضا . ورابط الجملة بالمبتدأ تقديره : بحسبانه ، أي حسبان الرحمن وضبطه .

وهذا استدلال على التفرد بخلق كوكب الشمس وكرة القمر وامتنان بما أودع فيهما من منافع للناس ، ونظام سيرهما الذي به تدقيق نظام معاملات الناس واستعدادهم لما يحتاجون إليه عند تغيرات أجوائهم وأرزاقهم . ويتضمن الامتنان بما في ذلك من منافعهم ، وفي كون هذا الخبر جاريا على أسلوب التعديد ما قد علمت آنفا من التبكيت ، ووجهه أنهم غفلوا عما في نظام الشمس والقمر من الحكمة وما يدل عليه ذلك النظام من تفرد الله بتقديره ، فاشتغل بعضهم بعبادة الشمس وبعضهم بعبادة القمر كما قال تعالى ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون .

وجيء بهذه الجملة اسمية للتهويل بالابتداء باسم الشمس والقمر ، وللدلالة على أن حسبانهما ثابت لا يتغير منذ بدء الخلق مؤذن بحكمة الخالق . واستغني بجعل اسم الشمس والقمر مسندا إليهما عن تفكيك المسند إلى مسندين : أحدهما يدل على الاستدلال ، والآخر يدل على الامتنان ، كما وقع في قوله خلق الإنسان علمه البيان .

والحسبان : مصدر حسب بمعنى عد مثل الغفران .

والباء للملابسة وهي ظرف مستقر هو خبر عن الشمس والقمر ، والتقدير : كائنان بحسبان ، أي بملابسة حسبان أي لحساب الناس مواقع سيرهما .

وإسناد هذه الملابسة إلى الشمس والقمر مجازي عقلي لأن الشمس والقمر [ ص: 235 ] سبب لتلبس الناس بحسابهما كما تقول : أنت بعناية مني ، جعلت عنايتك ملابسة للمخاطب ملابسة اعتبارية ، وقوله تعالى فإنك بأعيننا ، وقد تقدم في قوله تعالى والشمس والقمر حسبانا في سورة الأنعام . والحسبان كناية عن انتظام سيرهما انتظاما مطردا لا يختل حساب الناس له والتوقيت به .

واقتصر على ذكر الشمس والقمر دون بقية الكواكب وإن كان فيها حسبان الأنواء ، والحر والبرد ، مثل الجوزاء ، والشعرى ، ومنزلة الأسد ، والثريا ، لأن هذين الكوكبين هما الباديان لجميع الناس لا يحتاج تعقل أحوالهما إلى تعليم توقيت مثل الكواكب الأخرى .

ولأن السورة هذه بنيت على ذكر الأمور المزدوجة والشمس والقمر مزدوجان في معارف عموم الناس فالشمس : كوكب سماوي لأنه أعلى من الأرض والأرض تدور حوله وداخله في النظام الشمسي . والقمر : كوكب أرضي لأنه دون الأرض وتابع لها كبقية أقمار الكواكب فذكر الشمس والقمر كذكر السماء والأرض ، والمشرق ، والمغرب ، والبحرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية