الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2229 [ ص: 327 ] 4 - باب: الخصومة في البئر والقضاء فيها

                                                                                                                                                                                                                              2356 ، 2357 - حدثنا عبدان، عن أبي حمزة عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ [ مسلم ] هو عليها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان"، فأنزل الله تعالى: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا [آل عمران: 77] الآية.

                                                                                                                                                                                                                              فجاء الأشعث فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن في أنزلت هذه الآية، كانت لي بئر في أرض ابن عم لي فقال لي: "شهودك". قلت: ما لي شهود. قال: "فيمينه". قلت: يا رسول الله، إذا يحلف. فذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث، فأنزل الله ذلك تصديقا له. [2416 - 2417، 2515 - 2516، 2666 - 2667، 2669 - 2670، 2673، 2676 - 2677، 4549 - 4550، 6659 - 6660، 6676 - 6677، 7183 - 7184 - مسلم: 138 - فتح: 5 \ 33]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث شقيق، عن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ هو عليها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان" ، فأنزل الله تعالى: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية. فجاء الأشعث فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن في أنزلت هذه الآية... الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه البخاري في عدة أبواب: هنا عن عبدان عن أبي حمزة، والإشخاص، والشهادات عن محمد - هو ابن سلام - عن أبي معاوية، وفي الإشخاص أيضا: عن بشر بن خالد، [ ص: 328 ] عن غندر، عن شعبة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي النذور: عن موسى، وفي التفسير: عن حجاج بن المنهال، كلاهما عن أبي عوانة أربعتهم عن الأعمش، وفي الشركة أيضا: عن قتيبة، عن جرير، عن منصور، وفي النذور أيضا: عن بندار عن ابن أبي عدي، عن شعبة، وفي الأحكام: عن إسحاق بن نصر، عن عبد الرزاق، عن سفيان كلاهما عن الأعمش ومنصور كلاهما، عن أبي وائل عنه به.

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر وإسحاق وابن نمير ثلاثتهم عن وكيع، وعن ابن نمير، عن أبيه كلاهما عن الأعمش به. وعن [ ص: 329 ] إسحاق عن جرير .

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه أبو داود في الأيمان والنذور، والترمذي في البيوع والتفسير، والنسائي في القضاء والتفسير، وابن ماجه في الأحكام، قال الإسماعيلي : أخرجه البخاري عن أبي حمزة، عن الأعمش، يعني: عن عبدان، عن أبي حمزة به: كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر في أرض، قال: ولا أعلم في جماعة من رواه عن الأعمش إلا قال: في أرض.

                                                                                                                                                                                                                              وحكم الخصومة في البئر وفي الأرض واحد في هذا الخبر، وأورد لذكر البئر بابا والخبر واحد، والأكثرون أولى بالحفظ من أبي حمزة، فإن أبا معاوية ووكيعا وابن نمير وأبا أسامة وغيرهم ممن رواه وذكر قصة الأشعث بتمامها ذكر الأرض، فيحتمل أن تكون الأرض فيها بئر، فيصح اللفظان في التأويلين على هذا المعنى، ولكن كان ربما يقصد إلى ما تفرد به الواحد من لفظه فيفرد له بابا إذا غمض ذلك، ولا وجه له وفيه نظر؛ لأن أبا عوانة رواه عن الأعمش في كتاب الإيمان، والتفسير من الصحيح عن أبي وائل، عن عبد الله، وفيه قال: قال الأعمش : كانت لي بئر في أرض ابن عم لي. [ ص: 330 ]

                                                                                                                                                                                                                              وفي كتاب الأيمان كذلك: نزلت في وفي صاحب لي في بئر كانت بيننا عن شعبة عن سليمان ومنصور عن أبي وائل، وفي آخره: قال سليمان عن الأشعث، فذكره.

                                                                                                                                                                                                                              وفي الأحكام من حديث سفيان، عن منصور والأعمش، عن أبي وائل ... الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              كذا رواه أبو نعيم الحافظ من حديث علي بن مسهر، عن الأعمش .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الطرقي : رواه عن أبي وائل منصور والأعمش، فمنصور لم يرفع قول عبد الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأعمش يقول: قال عبد الله : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذا ذكره المزي في "أطرافه".

                                                                                                                                                                                                                              وقد أسلفنا لك رواية منصور، عن أبي وائل مرفوعة من عند البخاري، قال الطرقي : رواه عبد الملك بن أعين، وجامع بن أبي راشد، ومسلم البطين، عن أبي وائل، عن عبد الله مرفوعا، وليس فيه ذكر الأشعث، ورواه كردوس التغلبي، عن الأشعث بن قيس، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليس فيه ذكر ابن مسعود .

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وفي اليمين الفاجرة عن ابن عمرو (خ م)، وأبي أمامة (م) [ ص: 331 ] و ( إياس) بن ثعلبة، ووائل بن حجر (م)، وعمران بن حصين (د)، وعدي بن عميرة (س)، وأبي موسى (أحمد) ، ومعقل بن يسار، وأبي هريرة (أحمد).

                                                                                                                                                                                                                              وفي "تفسير ابن جرير الطبري "، عن ابن جريج : اختصم الأشعث هو ورجل في أرض كانت في يده لذلك الرجل أخذها لتعززه في الجاهلية، وفيه: فقام الأشعث يحلف فأنزل الله الآية فنكل الأشعث، فقال: إني أشهد الله وأشهدكم أن خصمي صادق، وأعطاه أرضه، وزاده من أرض نفسه زيادة كثيرة؛ مخافة أن يبقى في يده شيء من [ ص: 332 ] حقه، فهي لعقب ذلك الرجل من بعده.

                                                                                                                                                                                                                              وفي كتاب: "إدارة الأحكام" لأبي طاهر إسماعيل بن علي بن إبراهيم بن أبي القاسم الجنزوي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قصة الكندي والحضرمي حين قال له المقضي عليه: قضيت علي والحق لي، "إنما أقضي بالظاهر والله يتولى السرائر". وهذه الرواية عزيزة تتبعناها فلم نجدها دهرا فاستفدها.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر البخاري لسبب نزول هذا الآية عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا أقام سلعة في السوق فحلف: لقد أعطي بها ما لم يعطه؛ ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزل: إن الذين يشترون [آل عمران: 77] الآية، وهو من أفراده، وقد سلف في أوائل البيوع، ويحتمل أن يكونا في وقت فنزلت فيهما.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة : "ثلاثة لا ينظر الله إليهم". ذكره عقب هذا الباب، ثم قرأ هذه الآية: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا [آل عمران: 77].

                                                                                                                                                                                                                              قال الدارقطني : ورواه كذلك جماعة، وخالفهم صالح بن أبي الأسود؛ فرواه عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أبي هريرة، والصحيح الأول، ولما رواه الإسماعيلي عن ابن خزيمة : حدثنا سعيد بن عبد الرحمن، ثنا سفيان، عن عمرو، عن أبي صالح، قال: تابعه عبد الرحمن بن يونس، فوصلوه عن ابن عيينة وجودوه، قال: وأرسله علي، وعبد الجبار بن العلاء، وغيرهما. [ ص: 333 ]

                                                                                                                                                                                                                              وذكر الواحدي أن الكلبي قال: إن ناسا من علماء اليهود أولي فاقة اقتحموا إلى كعب بن الأشرف فسألهم كيف تعلمون هذا الرجل يعني: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابكم؟ قالوا: وما تعلمه أنت؟ قال: لا. قالوا: نشهد أنه عبد الله ورسوله. فقال كعب بن الأشرف : لقد حرمكم الله خيرا كثيرا. فقالوا: (رويد) فإنه شبه علينا، وليس هو بالنعت الذي نعت لنا، ففرح كعب فمارهم وأنفق عليهم، فأنزل الله هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                              وقال عكرمة : نزلت في أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب، وغيرهم من رءوس اليهود، كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة في شأن محمد، وبدلوه وكتبوا بأيديهم غيره، (وجعلوا) أنه من عند الله لئلا تفوتهم الرشا والمآكل التي كانت لهم على أتباعهم إذا تقرر ذلك، فالوعيد المذكور يخشى إنفاذه على كل يمين غموس يقتطع بها مال أحد بغير حق.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: الترجمة.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: جواز تولي الخصوم بعضهم بعضا مما عرف من أحوالهم؛ لقوله: إذن يحلف ويذهب بحقي؛ لأنه كان معروفا بقلة التقوى.

                                                                                                                                                                                                                              وقد قيل: إنه كان يهوديا، فإن كان كذلك فليس بين المسلم والذمي قصاص ولا حد، وإن كان غير ذمي فلأنه كان معروفا بالمجاهرة بالباطل، والدليل على هذا نزول الآية بصدقه لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 334 ] وليس لمعلوم بالأحوال الدنية من الحرمة ما لصالح المسلمين.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن الطلاع في "الأقضية": الرجل الكندي هو خال أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وأم أبي سلمة: تماضر، واسم الحضرمي: جرير بن معدان، ويعرف بالجفشيش بالجيم والحاء والخاء، وقال هشام بن محمد بن السائب الكلبي : هو الجفشيش، واسمه: معدان بن الأسود بن معدي كرب الكندي، فعلى هذا يصح قوله: ابن عم لي.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن الأثير : الحفشيش: اسم أبيه النعمان كندي، ويقال: حضرمي يكنى أبا الخير، له وفادة مع الأشعث في وفد كندة سنة عشر.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: قد جاء في رواية في البخاري : أنه كان يهوديا. والرجل الحضرمي اسمه ربيعة بن عيدان بفتح العين المهملة وسكون المثناة تحت، ويقال: بكسر العين المهملة وبباء موحدة بدلها، له صحبة وشهد فتح مصر.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية