الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 25 ] وفسد منهي عنه ، . [ ص: 26 ] إلا لدليل . .

التالي السابق


( وفسد ) عقد أو عمل ( منهي عنه ) لذاته كخنزير ودم أو لصفته كخمر أو لخارج عنه لازم له كصوم يوم العيد المستلزم الإعراض عن ضيافة الله تعالى والصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها المستلزم التشبه بمن يسجد لها ، أو للشيطان الذي يدني رأسه منها عند ذلك والصلاة والبيع ونحوه وقت خطبة الجمعة المستلزم للتشاغل عن استماعها ، فإن كان لخارج غير لازم كالصلاة في الدار المغصوبة والطهارة بماء مغصوب فلا يقتضي الفساد . الحط اختلف الأصوليون هل النهي يدل على فساد المنهي عنه أم لا والمذهب أنه يدل على فساده . ابن شاس عندنا أن مطلق النهي عن العقد يدل على فساده إلا أن يقوم دليل على خلافه ، هكذا حكى عبد الوهاب عن المذهب ، فالمنهي عنه الذي قام دليل على إمضائه وترتب أثره عليه من غير فوات فهو صحيح وإلا فهو فاسد . وفي التنقيح فساد العقد خلل يمنع ترتب أثره عليه إلا أن يلحقه عارض على أصلنا في البيع الفاسد .

وفي شرح التنقيح آثار العقود التمكن من البيع والهبة والوقف والأكل وغيرها من التصرفات ، [ ص: 26 ] وأما العوارض التي تلحقه فذلك أن النهي يدل على الفساد عندنا وعند الشافعي وعلى الصحة عند الحنفي فطرد الحنفي أصله وقال إذا اشترى جارية شراء فاسدا جاز له وطؤها ، وكذا سائر العقود الفاسدة ، وطرد الشافعي أصله وقال : يحرم الانتفاع مطلقا وإن باعه ألف بيع وجب نقضه ، ونحن خالفنا أصلنا وراعينا الخلاف وقلنا : البيع الفاسد يثبت شبهة الملك فيما يقبله ، فإذا لحقه أحد أربعة أشياء تقرر الملك بالقيمة وهي حوالة السوق وتلف العين ونقصانها وتعلق حق الغير بها على تفصيل في ذلك في كتب الفروع فهذه هي العوارض والله أعلم . ابن عبد السلام هذا هو المشهور في مذهبنا .

وقال ابن مسلمة : يمضي الفاسد المختلف فيه ابن عرفة قبل ابن شاس نقل القاضي المذهب دلالته على الفساد ما لم يقم دليل بخلافه ، ونحوه قول ابن التلمساني في شرح المعالم قول مالك " رضي الله عنه " إطلاق النهي يقتضي الفساد فظاهره في نفس ما أضيف إليه لا ينفصل عنه إلا بدليل منفصل يصرف النهي إلى المجاور المقارن القرافي تفريع المذهب على أنه يدل على شبه الصحة ، وقاعدتهم أنه يدل على الفساد ، ومعنى الفساد في المعاملات عدم ترتب آثارها عليها إلا أن يتصل بها ما يقرر آثارها على أصولها في البيع وغيره وحجة شبهة الملك مراعاة الخلاف . وأما ما يتصل بها على أصولنا فلأن البيع المحرم إذا اتصل به عندنا أحد أمور أربعة تقرر فيه الملك بالقيمة وهو تغير السوق أو العين أو هلاكها ، أو تعلق حق الغير بها على تفصيل مذكور في كتب الفقه قال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنهم : النهي يدل على الفساد وقال أبو حنيفة : يدل على الصحة فكل واحد طرد أصله إلا مالكا فقال أبو حنيفة : يجوز التصرف في المبيع بيعا فاسدا ابتداء ، وهذه هي الصحة .

وقال الشافعي ومن وافقه : لا يثبت أصلا ولو تداولته الأملاك ، وهذا هو الفساد ، وقال مالك بالفساد في حالة عدم الأمور الأربعة المتقدم ذكرها وبعدمه وتقرير الملك إذا طرأ أحدها فلم يطرد أصله والله أعلم . [ ص: 27 ] إلا لدليل ) شرعي متصل أو منفصل يدل على صحته كبيع النجش والمصراة فيحكم بصحته ويخصص القاعدة أو على صحته مطلقا في حالة دون أخرى ، كتفريق الأم من ولدها فإنه يمضي إذا جمعا بملك واحد ، فالمنهي عنه ثلاثة أقسام فاسد مطلقا وهو ما لم يدل دليل على صحته أصلا ، وصحيح مطلقا وهو ما دل دليل على صحته مطلقا ، وفاسد في حال ، وصحيح في آخر ، وهو ما دل دليل على صحته في حال دون آخر . .




الخدمات العلمية