الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2241 [ ص: 363 ] 11 - باب: لا حمى إلا لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -

                                                                                                                                                                                                                              2370 - حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الصعب بن جثامة قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا حمى إلا لله ولرسوله". وقال: بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حمى النقيع، وأن عمر حمى السرف والربذة. [3013 - فتح: 5 \ 44]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الصعب بن جثامة قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا حمى إلا لله ولرسوله ". وقال: بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حمى النقيع، وأن عمر حمى السرف والربذة .

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث من أفراده، ووقع في "الإلمام" للشيخ تقي الدين القشيري أنه من المتفق عليه وهو من الناسخ، فقد قال هو في "الاقتراح": إنه على شرطهما وإنهما لم يخرجاه.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا البلاغ من قول الزهري، كما نص عليه أبو داود وجعله عبد الحق من قول البخاري، وقد أسنده أبو داود والحاكم من حديث ابن عباس، وقال الحاكم : صحيح الإسناد، وبخط الدمياطي [ ص: 364 ] كذا عند البخاري : (السرف) بسين مهملة وهو خطأ، والصواب بالشين المعجمة وفتح الراء، كذا رواه ابن وهب في "موطئه" وهو من عمل المدينة.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين : إنه بين مكة والمدينة، وأما سرف فمن عمل مكة على ستة أميال منها، وقيل: سبعة، وقيل: تسعة، وقيل: اثني عشر، ولا يدخله الألف واللام.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين : وقع في بعض روايات البخاري : وقال أبو عبد الله: وبلغنا. فجعله من قول البخاري، وذكره ابن وهب في "موطئه" عن يونس .

                                                                                                                                                                                                                              (والنقيع) بنون قطعا، ومن قاله بالباء فقد صحفه، كما نبه عليه الخطابي، وهو على عشرين فرسخا من المدينة، وقيل: على عشرين ميلا، ومساحته بريد في بريد. قال ياقوت: وهو غير نقيع الخضمات الذي كان عمر حماه، وكذا ذكره الحازمي وعكس ذلك أبو عبيد البكري.

                                                                                                                                                                                                                              والأصل في النقيع: أنه كل موضع يستنقع فيه الماء، فإذا نضب نبت فيه الكلأ. وزعم ابن الجوزي أن بعضهم ذهب إلى أنهما واحد، قال: والأول أصح وذكره الأصمعي بالباء خطأ، فقال: البقيع: القاع، يقال: انزل بذاك البقيع أي: القاع والجمع: البقعان. [ ص: 365 ]

                                                                                                                                                                                                                              وزعم ابن التين وابن الأثير أن الشريف كان في الجاهلية إذا نزل أرضا في حيه استعوى كلبا (فحمى) مدى عوي الكلب لا يشركه فيه غيره، وهو يشارك القوم في سائر ما يرعون، فنهى الشارع عن ذلك وأضاف الحمى إلى الله ورسوله، أي: إلا ما حمى للخيل المرصدة للجهاد والإبل المعدة للحمل في سبيل الله ولإبل الزكاة وغيرها، كما حمى عمر النقيع لإبل الصدقة، وحماها بالكلب عجيب، فإنهم يحمون بما شاءوا، نعم كان وائل بن ربيعة التغلبي فعل ذلك فغلب عليه اسم كليب؛ لأنه حمى الحمى بعوي كلب كان يقطع يديه ويدعه وسط مكان يريده، فأي موضع بلغ عواه لا يقربه أحد، وبسببه كانت حرب البسوس المشهورة.

                                                                                                                                                                                                                              وأصل الحمى في اللغة : المنع، يعني: لا منع لما لا مالك له من الناس من أرض أو كلأ إلا لله ورسوله. وذكر ابن وهب أن النقيع الذي حماه الشارع قدره ميل في ثمانية أميال حماه لخيل المهاجرين، وقد أسلفنا أن مساحته بريد في بريد، وحمى أبو بكر الربذة لما يحمل عليه في سبيل الله نحو خمسة أميال في مثلها، وحمى ذلك عمر لإبل الصدقة وحمى أيضا السرف وهو مثل الربذة .

                                                                                                                                                                                                                              وزاد عثمان في الحمى لما كثرت الإبل والبقر في أيامه من الصدقات. أصل فعلهم ذلك من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمعنى قوله: (" لا حمى إلا لله ولرسوله ") أي: أنه لا حمى لأحد يخص نفسه يرعى فيه ماشيته دون سائر الناس، وإنما هو لله ولرسوله ولمن ورث [ ص: 366 ] ذلك عنه من الخلفاء بعده إذا احتاج إلى ذلك لمصلحة المسلمين، كما فعل الصديق والفاروق وعثمان لما احتاجوا إلى ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              وقد عاتب رجل من العرب عمر، فقال له: بلاد الله حميت لمال الله، وأنكر أيضا على عثمان أنه زاد في الحمى، وليس لأحد أن ينكر ذلك؛ لأنه - عليه السلام - قد تقدم إليه ولخلفائه الاقتداء به والاهتداء، وإنما يحمي الإمام ما ليس بملك لأحد مثل: بطون الأودية والجبال والموات، وإن كان قد ينتفع المسلمون بتلك المواضع فمنافعهم في حماية الإمام لها أكثر.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين : معنى الحديث: لا حمى إلا على ما أذن الله لرسوله أن يحميه لا ما كان يحميه العزيز في الجاهلية كما سلف.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية