الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      وينبغي له أن يتواضع للعلم والمعلم فبتواضعه يناله ، وقد أمرنا بالتواضع مطلقا فهنا أولى ، وقد قالوا : العلم حرب للمتعالي ، كالسيل حرب للمكان العالي . وينقاد لمعلمه ، ويشاوره في أموره ، ويأتمر بأمره ، كما ينقاد المريض لطبيب حاذق ناصح ، وهذا أولى لتفاوت مرتبتهما .

                                      قالوا : ولا يأخذ العلم إلا ممن كملت أهليته ، وظهرت ديانته ، وتحققت معرفته واشتهرت صيانته وسيادته ، فقد قال ابن سيرين ومالك وخلائق من السلف : هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم . ولا يكفي في أهلية التعليم أن يكون كثير العلم ، بل ينبغي مع كثرة علمه بذلك الفن كونه له معرفة في الجملة بغيره من الفنون الشرعية ، فإنها مرتبطة ، ويكون له دربة ودين وخلق جميل وذهن صحيح ، واطلاع تام . وقالوا : ولا تأخذ العلم ممن كان أخذه له من بطون الكتب من غير قراءة على شيوخ أو شيخ حاذق ، فمن لم يأخذه إلا من الكتب يقع في التصحيف ، ويكثر منه الغلط والتحريف . وينبغي أن ينظر معلمه بعين الاحترام ويعتقد كمال أهليته ، ورجحانه على أكثر طبقته ، فهو أقرب إلى انتفاعه به ، ورسوخ ما سمعه منه في ذهنه . وقد كان بعض المتقدمين إذا ذهب إلى معلمه تصدق بشيء وقال : اللهم استر عيب معلمي عني ، ولا تذهب بركة علمه مني . وقال الشافعي - رحمه الله - : كنت أصفح الورقة بين يدي مالك - رحمه الله - صفحا رفيقا هيبة له .

                                      [ ص: 67 ] لئلا يسمع وقعها . وقال الربيع : والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له . وقال حمدان بن الأصفهاني : وكنت عند شريك - رحمه الله - فأتاه بعض أولاد المهدي ، فاستند إلى الحائط وسأله عن حديث فلم يلتفت إليه ، وأقبل علينا ثم عاد فعاد لمثل ذلك ، فقال : أتستخف بأولاد الخلفاء ؟ فقال : شريك : لا ولكن العلم أجل عند الله تعالى من أن أضعه ، فجثا على ركبتيه ، فقال شريك : هكذا يطلب العلم . وعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال : من حق العالم عليك أن تسلم على القوم عامة وتخصه بالتحية ، وأن تجلس أمامه ، ولا تشيرن عنده بيدك ، ولا تعمدن بعينك غيره ، ولا تقولن : قال فلان خلاف قوله ، ولا تغتابن عنده أحدا ، ولا تسار في مجلسه ، ولا تأخذ بثوبه ، ولا تلح عليه إذا كسل ، ولا تشبع من طول صحبته ، فإنما هو كالنخلة تنتظر متى يسقط عليك منها شيء .

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية