الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4877 [ ص: 648 ] كتاب التعوذ وغيره

                                                                                                                              باب التعوذ من شر الفتن

                                                                                                                              وذكره النووي، في (باب الدعوات والتعوذ) .

                                                                                                                              والفتن وهو جمع: "فتنة"، وهي اسم للاختبار، والامتحان.

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 28، 29 جـ 17، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الدعوات اللهم فإني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار وفتنة القبر وعذاب القبر ومن شر فتنة الغنى ومن شر فتنة الفقر وأعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم فإني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم ) .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ كان يدعو بهؤلاء الدعوات: "اللهم ! إني أعوذ بك: من فتنة [ ص: 649 ] النار) وهي سؤال الخزنة، على سبيل التوبيخ. وإليه الإشارة، بقوله تعالى: { كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير } .

                                                                                                                              (وعذاب النار، وفتنة القبر) . يعني: سؤال "منكر ونكير . وفيه: إثبات فتن القبر، فالإيمان به: واجب.

                                                                                                                              (وعذاب القبر) : وهو ما يترتب بعد فتنته: على المجرمين؛ فالأول: كالمقدمة للثاني، وعلامة عليه.

                                                                                                                              وفي حديث "أم خالد، عند البخاري؛ "سمعت النبي، صلى الله عليه وآله وسلم؛ يتعوذ من عذاب القبر".

                                                                                                                              والعذاب اسم: "للعقوبة". والمصدر: "التعذيب". فهو مضاف إلى الفاعل: على طريق المجاز. أو الإضافة، من إضافة المظروف إلى ظرفه.

                                                                                                                              [ ص: 650 ] (ومن شر فتنة الغنى) : كالبطر، والطغيان، وعدم تأدية الزكاة.

                                                                                                                              وأعوذ بك: (من شر فتنة الفقر) : كأن يحمله "الفقر": على اكتساب الحرام، أو يتلفظ بكلمات، تؤديه إلى الكفر.

                                                                                                                              قال النووي : أما استعاذته، صلى الله عليه وآله وسلم: من فتنة الغنى، وفتنة الفقر: فلأنهما حالتان، تخشى الفتنة فيهما: بالتسخط، وقلة الصبر، والوقوع في حرام أو شبهة: للحاجة. ويخاف في الغنى: من الأشر، والبطر، والبخل: بحقوق المال، أو إنفاقه في إسراف، وفي باطل، أو في مفاخر.

                                                                                                                              قال الخطابي: إنما استعاذ "صلى الله عليه وسلم" من الفقر، الذي هو فقر النفس: لا قلة المال.

                                                                                                                              قال عياض : وقد تكون استعاذته، من فقر المال. والمراد: "الفتنة في عدم احتماله، وقلة الرضى به . ولهذا قال: "فتنة الفقر"، ولم يقل: "الفقر". وقد جاءت أحاديث كثيرة: بفضل الفقر.

                                                                                                                              (وأعوذ بك: من شر فتنة المسيح الدجال) الأعور، الكذاب. "والمسيح": بفتح الميم. و"الدجال": بتشديد الجيم.

                                                                                                                              (اللهم ! اغسل خطاياي: بماء الثلج والبرد) .

                                                                                                                              و"الخطايا": جمع خطيئة. و"البرد": بفتح الباء، والراء. وهو حب الغمام.

                                                                                                                              [ ص: 651 ] وفي كتاب الصلاة: "بالماء والثلج، والبرد".

                                                                                                                              قال التوربشتي : ذكر أنواع المطهرات، المنزلة من السماء، التي لا يمكن حصول الطهارة الكاملة، إلا بها: تبيانا لأنواع المغفرة، التي لا يخلص من الذنوب: إلا بها.

                                                                                                                              أي: طهرني من الخطايا: بأنواع مغفرتك، التي هي في تمحيص الذنوب: بمثابة هذه الأنواع الثلاثة في إزالة الأرجاس، والأوصاب، ورفع الجنابة، والأحداث.

                                                                                                                              وقال الطيبي: ويمكن أن يقال: ذكر الثلج والبرد، بعد ذكر الماء، المطلوب منهما: شمول أنواع الرحمة، بعد المغفرة: لإطفاء حرارة عذاب النار، التي هي في غاية الحرارة. لأن عذاب النار، يقابله: الرحمة. فيكون التركيب من باب قوله: "متقلدا: سيفا، ورمحا". أي: اغسل خطاياي: بالماء. أي اغفرها. وزد على الغفران: شمول الرحمة.

                                                                                                                              (ونق) : بفتح النون، وتشديد القاف (قلبي: من الخطايا، كما نقيت الثوب الأبيض: من الدنس) . أي: الوسخ، تأكيد: للسابق، ومجاز عن إزالة الذنوب، ومحو أثرها.

                                                                                                                              (وباعد بيني وبين خطاياي) . أي: أبعد (كما باعدت) أي: كتبعيدك: (بين المشرق، والمغرب) .

                                                                                                                              [ ص: 652 ] أي حل بيني وبينها، حتى لا يبقى لها مني: اقتراب، بالكلية.

                                                                                                                              (اللهم ! إني أعوذ بك من الكسل) : وهو التثاقل، والفتور، والتواني.

                                                                                                                              (والهرم) : وهو أقصى الكبر، المؤدي إلى ضعف الأعضاء. وهو في معنى قوله، صلى الله عليه وآله وسلم؛ في حديث آخر، عند البخاري : "وأعوذ بك: أن أرد إلى أرذل العمر" أي: أخسه. وهو الهرم والخرف.

                                                                                                                              قال النووي : وسبب ذلك: ما فيه من اختلال العقل، والحواس، والضبط، والفهم. وتشويه: بعض المنظر. والعجز عن كثير من الطاعات، والتساهل في بعضها.

                                                                                                                              (والمأثم) : ما يوجب الإثم. (والمغرم) أي: الدين فيما لا يجوز.

                                                                                                                              [ ص: 653 ] قال النووي : فسره صلى الله عليه وآله وسلم، في الأحاديث؛ "بأن الرجل إذا غرم: حدث فكذب، ووعد فأخلف". ولأنه قد: يمطل المدين، صاحب الدين. ولأنه: قد يشتغل به قلبه. وربما مات قبل وفائه، فبقيت ذمته مرتهنة به.




                                                                                                                              الخدمات العلمية