الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 52 ] أما قوله تعالى : ( لهم فيها ما يشاءون خالدين ) فهو نظير قوله : ( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ) [فصلت : 31] وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : لقائل أن يقول : أهل الدرجات النازلة إذا شاهدوا الدرجات العالية لا بد وأن يريدوها ، فإذا سألوها ربهم ، فإن أعطاهم إياها لم يبق بين الناقص والكامل تفاوت في الدرجة ، وإن لم يعطها قدح ذلك في قوله : ( لهم فيها ما يشاءون ) وأيضا فالأب إذا كان ولده في درجات النيران وأشد العذاب إذا اشتهى أن يخلصه الله تعالى من ذلك العذاب فلا بد وأن يسأل ربه أن يخلصه منه ، فإن فعل الله تعالى ذلك قدح في أن عذاب الكافر مخلد ، وإن لم يفعل قدح ذلك في قوله : ( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ) [ فصلت : 31 ] وفي قوله : ( لهم ما يشاءون فيها ) [ ق : 35 ] ، وجوابه : أن الله تعالى يزيل ذلك الخاطر عن قلوب أهل الجنة ، بل يكون اشتغال كل واحد منهم بما فيه من اللذات شاغلا عن الالتفات إلى حال غيره .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : شرط نعيم الجنة أن يكون دائما ؛ إذ لو انقطع لكان مشوبا بضرب من الغم ، ولذلك قال المتنبي :


                                                                                                                                                                                                                                            أشد الغم عندي في سرور تيقن عنه صاحبه انتقالا



                                                                                                                                                                                                                                            ولذلك اعتبر الخلود فيه فقال : ( لهم فيها ما يشاءون خالدين ) .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قوله تعالى : ( لهم فيها ما يشاءون ) كالتنبيه على أن حصول المرادات بأسرها لا يكون إلا في الجنة ، فأما في غيرها فلا يحصل ذلك ، بل لا بد في الدنيا من أن تكون راحاتها مشوبة بالجراحات ، ولذلك قال عليه السلام : من طلب ما لم يخلق أتعب نفسه ولم يرزق ، فقيل : وما هو يا رسول الله ؟ فقال : سرور يوم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية