الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            الصفة الثانية لذلك اليوم : قوله : ( الملك يومئذ الحق للرحمن ) قال الزجاج : الحق صفة للملك ، وتقديره : الملك الحق يومئذ للرحمن ، ويجوز " الحق " بالنصب على تقدير أعني ، ولم يقرأ به ، ومعنى وصفه بكونه حقا أنه لا يزول ولا يتغير ، فإن قيل : مثل هذا الملك لم يكن قط إلا للرحمن ، فما الفائدة في قوله : " يومئذ " ؟ قلنا : لأن في ذلك اليوم لا مالك سواه ، لا في الصورة ولا في المعنى ، فتخضع له الملوك وتعنو له الوجوه وتذل له الجبابرة ، بخلاف سائر الأيام ، واعلم أن هذه الآية دالة على فساد قول المعتزلة في أنه يجب على الله الثواب والعوض ؛ وذلك لأنه لو وجب لاستحق الذم بتركه ، فكان خائفا من أن لا يفعل ، فلم يكن ملكا مطلقا ، وأيضا فقوله : ( الملك يومئذ الحق للرحمن ) يفيد أنه ليس لغيره ملك ، وذلك لا يتم على قول المعتزلة ; لأن كل من استحق عليه شيئا فإنه يكون مالكا له ، ولا يكون هو سبحانه مالكا لذلك المستحق ; لأنه سبحانه إذا استحق على أحد شيئا أمكنه أن يعفو عنه ، أما غيره إذا استحق عليه شيئا فإنه لا يصح إبراؤه عنه ، فكانت العبودية ههنا أتم ، ولأن من كفر بالله إلى آخر عمره ثم في آخر عمره عرف الله لحظة ومات فهو سبحانه لو أعطاه ألف ألف [ ص: 66 ] سنة أنواع الثواب وأراد بعد ذلك أن لا يعطيه لحظة واحدة صار سفيها ، وهذا نهاية العبودية والذل ، فكيف يليق بمن هذا حاله أن يقال له : ( الملك يومئذ الحق للرحمن ) وأيضا فكل من فعل فعلا لو لم يفعله لكان مستوجبا للذم ، وكان بذلك الفعل مكتسبا للكمال وبتركه مكتسبا للنقصان ، فلم يكن ملكا بل فقيرا مستحقا ، فثبت أن قوله سبحانه : ( الملك يومئذ الحق للرحمن ) غير لائق بأصول المعتزلة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية