الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
382 الأصل

[ 248 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس أنه أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أم المؤمنين وهي خالته، قال: فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ فأحسن وضوءه ثم قام يصلي، فقال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى ففتلها، فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين، ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاء المؤذن، فقام، فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح

[ ص: 463 ]

التالي السابق


[ ص: 463 ] الشرح

مخرمة بن سليمان الوالبي الأسدي من أسد خزيمة مدني.

سمع: كريبا.

يروي عنه: مالك، وعبد ربه بن سعيد، وعياض بن عبد الله، والضحاك بن عثمان. يقال: إنه قتل سنة اثنتين ومائة.

والحديث صحيح: أورده مالك في الموطأ والبخاري في الصحيح عن القعنبي، ومسلم عن يحيى بن يحيى بروايتهما عن مالك.

وميمونة أم المؤمنين خالة عبد الله بن عباس، وأمه لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية.

وقوله: فاضطجعت في عرض الوسادة المشهور من اللفظ: العرض الذي هو ضد الطول، أي: توسدتها في العرض، وروى بعضهم: العرض بضم العين وهو الناحية والجانب، ويشبه أن يكون اضطجاعهم كذلك؛ لأنه لم يوجد وسادة أخرى أو تلطفوا به لصغره، وإلا لما اضطجع قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقوله: فجعل يمسح وجهه بيده هذا على ما يعتاد المتنبه من النوم طردا لبقيته، وفي بعض الروايات: فجعل يمسح النوم عن وجهه [ ص: 464 ] بيده ولم يقم للوضوء إلى أن يزول بقية النوم ليكون عند القيام قويا نشيطا ولم يخل الوقت عن الذكر والقراءة.

والشن والشنة: القربة البالية، والجمع: الشنان، وقد يبتغى لتبريد الماء السقاء الخلق فإنه أشد تبريدا.

وقوله: فأحسن الوضوء وفي بعض روايات الصحيح: فتوضأ وضوءا خفيفا ويروى وصف وضوئه فجعل يخففه ويقلله وفي بعض روايات الصحيح توضأ وضوءا حسنا بين الوضوءين وهذا يوضح إطلاق من أطلق أنه أحسن الوضوء، وإطلاق من أطلق أنه خففه، والمقصود أنه لم يخل ولم يبالغ كل المبالغة.

وقوله: ثم [ذهبت] فقمت إلى جنبه يعني من الشق الأيسر، وهو مصرح به في كثير من الروايات، ويبينه قوله: فوضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى والواقف على اليمين يشق أخذ أذنه اليمنى، وذكر أن الفتل يحتمل أن يكون ليديره إلى اليمين، ويحتمل أن يريد تأديبه، والفتل أذكر للحال وأعون على الامتثال في الاستقبال، وحكى الربيع أن الشافعي فتل شحمة أذنه قال: فلما وجدت هذا عن ابن عباس علمت أن الشافعي فعل ذلك عن أصل، وفي كثير من الروايات أخذ بيدي فأقامني من وراء ظهره على الشق الأيمن، فجعلت إذا أغفيت يأخذ شحمة أذني وهذا يشعر بأن الفتل كان لإيقاظه، وأن الإدارة كانت بالأخذ بيده.

وقوله: فصلى ركعتين ثم ركعتين ليس في الكتاب ذكر الركعتين إلا خمس مرات، وفي الموطأ والصحيحين وسائر [ ص: 465 ] الأصول ذكر الركعتين ست مرات ثم أوتر، ويوافق الأول ما رواه مسلم عن محمد بن رافع، عن ابن أبي فديك، عن الضحاك، عن مخرمة، عن كريب قال: فصلى إحدى عشرة ركعة، ثم احتبى حتى إني لأسمع نفسه راقدا ويوافق الثاني ما في كثير من روايات الصحيح فصلى تلك الليلة ثلاث عشرة ركعة.

وعن زيد بن خالد الجهني أنه قال: قلت لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء - وهي التي يدعو الناس العتمة - إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة وعنها قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر، وعن مسروق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، فقالت: سبع وتسع وإحدى عشرة سوى الفجر.

وقد تفهم هذه الروايات عن عائشة أن من قال إحدى عشرة لم يحسب ركعتي الفجر، ومن قال: ثلاث عشرة أراد مع ركعتي الفجر، وعن رواية عبد ربه بن سعيد عن مخرمة عن كريب: فصلى تلك الليلة ثلاث عشرة ركعة ثم نام حتى نفخ، ثم أتاه المؤذن فخرج فصلى ولم يتوضأ فلم يذكر [ ص: 466 ] الركعتين بعد مجيء المؤذن والاستيقاظ، وقد يفهم مما روي عنها أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينقصها تارة ويزيدها أخرى على ما يتفق ويقتضيه الحال.

وقوله: ثم أوتر أي: جعلها وترا وليس المقصود أن الركعات التي قدمها خارجة عن الوتر؛ لما روي عن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوتر بثلاث عشرة فلما كبر وضعف أوتر بسبع.

وقوله: ثم اضطجع حتى جاء المؤذن وفي غير هذه الرواية: ثم اضطجع فنام حتى نفخ وكان إذا نام نفخ ثم أتاه بلال فآذنه بالصلاة فخرج وصلى الصبح ولم يتوضأ.

قال سفيان: وكان ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، لما بلغنا؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تنام عيناه ولا ينام قلبه.

وقوله: فصلى ركعتين خفيفتين يريد ركعتي الفجر، وفي الحديث أنه نام من أول الليل وصلى آخره، ويروى عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينام أول الليل ويحيي آخره.

وأنه يستحب قراءة الآيات العشر عند الانتباه، وأنه إذا لم يحضر إلا مأموم واحد ينبغي أن يقف على يمين الإمام فإن لم يفعل حوله الإمام إلى اليمين، وأنه لا يضر الفعل اليسير في الصلاة، وأنه تجوز الجماعة في صلاة التطوع، وأنه قد يشرع الإنسان في الصلاة منفردا ثم يصير إماما، ويتبين فيه رشد ابن عباس - رضي الله عنه - في حداثة سنه حيث تقيل رسول الله صلى الله عليه وسلم في القيام من النوم والوضوء والصلاة




الخدمات العلمية