الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
. قال : ( أقام رب الدابة البينة أنها نفقت عند الغاصب من ركوبه ، وأقام الغاصب البينة أنه قد ردها إليه وماتت في يده فعلى الغاصب القيمة ) ; لأن رب الدابة يثبت على الغاصب سبب وجوب القيمة ، والغاصب ينفي ذلك ; لأن [ ص: 81 ] موت الدابة في يد مالكها لا يوجب الضمان على أحد ، والبينات للإثبات دون النفي .

( فإن قيل : ) سبب وجوب الضمان على الغاصب ظاهر فهو يثبت ببينته ما يبرئه عن الضمان وهو الرد ، فكانت بينته أولى بالقبول ( قلنا : ) نعم ، ولكن ثبوت الرد لا يمنع قبول بينة المالك على هلاكها من ركوب الغاصب ; لجواز أن يكون ركبها بعد الرد فماتت من ركوبه فلهذا جعلنا بينته أولى بالقبول ، وكذلك لو شهد شهود صاحبها أن الغاصب قتلها أو أنه هدم الدار ، وشهود الغاصب أنه ردها إليه على حالها ; لأن القتل بعد الرد يتحقق من الغاصب ، وكذلك لو هدم الدار بعد الرد يتحقق منه فيجب قبول بينة صاحبها في إثبات سبب متجدد للضمان على الغاصب ; لأن الغاصب بينته تنفي ذلك السبب ، فأما إذا أقام صاحبها البينة أنها ماتت في يد الغاصب ، وأقام الغاصب البينة أنه ردها فماتت في يد صاحبها فعلى قول أبي حنيفة تقبل بينة صاحبها كما في الفصول المتقدمة ; لأن الغصب بعد الرد يتحقق فصاحبها ببينته يثبت سبب ضمان متجدد ، وهو غصبه إياها عند الموت فيقضي له بالضمان لهذا ، وعند محمد رحمه الله البينة بينة الغاصب هنا لما فيها من إثبات الرد وسقوط الضمان عنه به ، ثم ليس في بينة صاحبها هنا إثبات سبب متجدد ، والظاهر أنهم إنما شهدوا بذلك ; لأنه خفي عليهم الرد ، وقد علموا الغصب فاستصحبوا ذلك ، وشهدوا أنها ماتت في يد الغاصب ، وشهود الغاصب علموا الرد ، وقد علموا الغصب فشهدوا به بخلاف ما سبق ، فإن القتل والهدم والإتلاف من الركوب سبب متجدد لا يشهدون عليه ما لم يعاينوه باعتبار علمهم بالغصب السابق .

التالي السابق


الخدمات العلمية