الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 67 - 68 ] قال ( ومن باع دارا لرجل وأدخلها المشتري في بنائه لم يضمن البائع ) عند أبي حنيفة رحمه الله ، وهو قول أبي يوسف رحمه الله آخرا ، وكان يقول أولا : يضمن البائع ، وهو قول محمد رحمه الله ، وهي مسألة غصب العقار وسنبينه إن شاء الله تعالى ، والله تعالى أعلم بالصواب .

التالي السابق


( قوله ومن باع دارا لرجل ) أي عرصة غيره بغير أمره . وفي جامع فخر الإسلام : معنى المسألة إذا باعها ثم اعترف بالغصب بعدما أدخلها المشتري في بنائه فكذبه المشتري ( لم يضمن البائع عند أبي حنيفة ) لمن أقر بالغصب منه ( وهو قول أبي يوسف آخرا ، وكان يقول أولا يضمن ، وهو قول محمد وهي مسألة غصب العقار ) هل يتحقق أو لا ؟ عند أبي حنيفة لا فلا يضمن ، وعنه محمد نعم فيضمن .

[ فروع تتعلق بهذا الفصل ]

باع الأمة فضولي من رجل وزوجها منه فضولي آخر فأجيزا معا ثبت الأقوى فتصير مملوكة لا زوجة ; ولو زوجاها من رجل فأجيزا بطلا ، ولو باعاها من رجل فأجيزا تنصف بينهما ويخير كل منهما بين أخذ النصف أو الترك . ولو باعه فضولي وآجره آخر أو رهنه أو زوجه فأجيزا معا ثبت الأقوى فيجوز البيع ويبطل غيره لأن البيع أقوى ، وكذا تثبت الهبة إذا وهبه فضولي وآجره آخر وكل من العتق والكتابة والتدبير أحق من غيرها لأنها لازمة بخلاف غيرها .

والإجارة أحق من الرهن لإفادتها ملك المنفعة ، بخلاف الرهن ، والبيع أحق من الهبة لأن الهبة تبطل بالشيوع ، ففيما لا يبطل بالشيوع كهبة فضولي عبدا وبيع آخر إياه يستويان لأن الهبة مع القبض تساوي البيع في إفادة الملك ، وهبة المشاع فيما لا يقسم صحيحة فيأخذ كل النصف .

ولو تبايع غاصبا عرضي رجل واحد له فأجاز لم يجز لأن فائدة البيع ثبوت ملك الرقبة والتصرف وهما حاصلان للمالك في البدلين بدون هذا العقد فلم ينعقد فلم تلحقه الإجازة . ولو غصبا من رجلين وتبايعا وأجاز المالك جاز . ولو غصبا النقدين من واحد وعقد الصرف وتقابضا ثم أجاز جاز لأن النقود لا تتعين في المعاوضات وعلى كل واحد من الغاصبين [ ص: 69 ] مثل ما غصب . وتقدم أن المختار في بيع المرهون والمستأجر أنه موقوف على إجازة المستأجر والمرتهن ، فلو وصل إلى المالك بوفاء الدين أو الإبراء أو فسخ الإجارة أو تمام المدة تم البيع ، ولو لم يجيزا فللمشتري خيار الفسخ إذا لم يعلم وقت البيع بهما ، وإن علم فكذلك عند محمد ، وقيل هو ظاهر الرواية . وعند أبي يوسف ليس له الفسخ إذا علم ، وقيل هو ظاهر الرواية ، وليس للمستأجر فسخ البيع بلا خلاف ولا للراهن والمؤجر . وفي المرتهن اختلاف المشايخ .

وفي مجموع النوازل : بيع المغصوب موقوف إن أقر به الغاصب أو كان للمغصوب منه بينة عادلة ، فلو أجاز تم البيع وإلا فلا ولو هلك قبل التسليم انتقض البيع ، وقيل لا لأنه أخلف بدلا ، والأول أصح . وروى ابن سماعة عن أبي يوسف وبشر عن محمد أن شراء المغصوب من غاصب جاحد يجوز ويقوم المشتري مقام البائع في الدعوى .

وعن أبي حنيفة روايتان : رجل غصب عبدا وباعه ودفعه إلى المشتري ثم إن الغاصب صالح المولى من العبد على شيء . قال محمد : إن صالحه على الدراهم والدنانير كان كأخذ القيمة من الغاصب فينفذ بيع الغاصب ، وإن صالحه على عرض كان كالبيع من الغاصب فيبطل بيع الغاصب .

ومن البيع الموقوف بيع الصبي المحجور الذي يعقل البيع ويقصده ، وكذا شراؤه على إجازة وليه والده أو وصيه أو جده أو القاضي ، وكذا الذي بلغ سفيها ، والمعتوه ، وكذا بيع المولى عبده المأذون المديون يتوقف على إجازة الغرماء في الصحيح خلافا لمن قال فاسد ، فلو قبض المولى الثمن فهلك عنده ثم أجاز الغرماء بيعه صحت إجازتهم ويهلك الثمن على الغرماء ، وإن أجاز بعضهم البيع ونقضه بعضهم بحضرة العبد والمشتري لا تصح الإجازة ويبطل البيع ، ومنه بيع المريض عينا من وارثه يتوقف على إجازة الورثة أو صحة المريض ، فإن صح من مرضه نفذ ، وإن مات منه ولم تجز الورثة بطل ، والله أعلم .




الخدمات العلمية