الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الرابع : التعليق الذي يذكره أبو عبد الله الحميدي ، صاحب ( الجمع بين الصحيحين ) وغيره من المغاربة ، في أحاديث من صحيح البخاري قطع إسنادها - وقد استعمله الدارقطني من قبل - : صورته صورة الانقطاع ، وليس حكمه حكمه ، ولا خارجا ما وجد ذلك فيه منه من قبيل الصحيح إلى قبيل الضعيف ، وذلك لما عرف من شرطه وحكمه ، على ما نبهنا عليه في الفائدة السادسة من النوع الأول .

ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رده ما أخرجه البخاري ، من حديث أبي عامر ، أو أبي مالك الأشعري عن [ ص: 68 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف . . " الحديث . من جهة أن البخاري أورده قائلا فيه : قال هشام بن عمار وساقه بإسناده ، فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام ، وجعله جوابا عن الاحتجاج به على تحريم المعازف . وأخطأ في ذلك من وجوه ، والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح .

والبخاري رحمه الله قد يفعل ذلك ، لكون ذلك الحديث معروفا من جهة الثقات عن ذلك الشخص الذي علقه عنه ، وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع ، والله أعلم .

[ ص: 69 ] وما ذكرناه من الحكم في التعليق المذكور فذلك فيما أورده منه أصلا ومقصودا لا فيما أورده في معرض الاستشهاد ، فإن الشواهد يحتمل فيها ما ليس من شرط الصحيح ، معلقا كان أو موصولا .

ثم إن لفظ التعليق وجدته مستعملا فيما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر ، حتى إن بعضهم استعمله في حذف كل الإسناد .

مثال ذلك : قوله " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ، قال ابن عباس كذا وكذا . روى أبو هريرة كذا وكذا . قال سعيد بن المسيب عن أبي هريرة كذا وكذا ، قال الزهري عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا " . وهكذا إلى شيوخ شيوخه .

وأما ما أورده كذلك عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه قريبا في الثالث من هذه التفريعات .

وبلغني عن بعض المتأخرين من أهل المغرب أنه جعله قسما من التعليق ثانيا ، وأضاف إليه قول البخاري - في غير موضع من كتابه - : " وقال لي فلان ، وزادنا فلان " فوسم كل ذلك بالتعليق المتصل من حيث الظاهر ، المنفصل من حيث المعنى ، وقال : متى رأيت البخاري يقول : " وقال لي ، وقال لنا " فاعلم أنه إسناد لم يذكره للاحتجاج به ، وإنما ذكره للاستشهاد به .

وكثيرا ما يعبر المحدثون بهذا اللفظ عما جرى بينهم في المذاكرات والمناظرات ، [ ص: 70 ] وأحاديث المذاكرة قلما يحتجون بها .

قلت : وما ادعاه على البخاري مخالف لما قاله من هو أقدم منه وأعرف بالبخاري ، وهو العبد الصالح أبو جعفر بن حمدان النيسابوري ، فقد روينا عنه أنه قال : كل ما قال البخاري : " قال لي فلان " فهو عرض ومناولة .

قلت : ولم أجد لفظ التعليق مستعملا فيما سقط فيه بعض رجال الإسناد من وسطه أو من آخره ، ولا في مثل قوله : " يروى عن فلان ، ويذكر عن فلان " وما أشبهه مما ليس فيه جزم على من ذكر ذلك بأنه قاله وذكره .

وكأن هذا التعليق مأخوذ من تعليق الجدار ، وتعليق الطلاق ونحوه ، لما يشترك الجميع فيه من قطع الاتصال ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية