الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ المسألة الأولى والثانية ]

[ عدد المقطوع ، ومقداره ]

أما المسألة الأولى فإن المشهور عن مالك في ذلك هو قطع الودجين والحلقوم ، وأنه لا يجزئ أقل من ذلك : وقيل عنه : بل الأربعة . وقيل بل الودجان فقط .

ولم يختلف المذهب في أن الشرط في قطع الودجين هو استيفاؤهما . واختلف في قطع الحلقوم على القول : بوجوبه ، فقيل : كله ، وقيل : أكثره . وأما أبو حنيفة ، فقال : الواجب في التذكية هو قطع ثلاثة غير معينة من الأربعة : إما الحلقوم والودجان ، وإما المريء والحلقوم وأحد الودجين ، أو المريء والودجان . وقال الشافعي : الواجب قطع المريء والحلقوم فقط . وقال محمد بن الحسن : الواجب قطع أكثر كل واحد من الأربعة .

وسبب اختلافهم : أنه لم يأت في ذلك شرط منقول ، وإنما جاء في ذلك أثران : أحدهما : يقتضي إنهار الدم فقط ، والآخر يقتضي قطع الأوداج مع إنهار الدم .

ففي حديث رافع بن خديج أنه قال عليه الصلاة والسلام : " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل " . وهو حديث متفق على صحته .

وروي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما فرى الأوداج فكلوا ، ما لم يكن رض ناب أو نخر ظفر " .

فظاهر الحديث الأول يقتضي قطع بعض الأوداج ، فقط ، لأن إنهار الدم يكون بذلك ، وفي الثاني قطع جميع الأوداج ، فالحديثان والله أعلم متفقان على قطع الودجين : إما أحدهما ، أو البعض من كليهما ، أو من واحد منهما ، ولذلك وجه الجمع بين الحديثين أن يفهم من لام التعريف في قوله عليه الصلاة والسلام : " ما فرى الأوداج " البعض لا الكل ، إذ كانت لام التعريف في كلام العرب قد تدل على البعض .

وأما من اشترط قطع الحلقوم والمريء فليس له حجة من السماع وأكثر من ذلك من اشترط المريء والحلقوم دون الودجين ، ولهذا ذهب قوم إلى أن الواجب هو قطع ما وقع الإجماع على جوازه ، لأن الذكاة لما كانت شرطا في التحليل ; ولم يكن في ذلك نص فيما يجري وجب أن يكون الواجب في ذلك ما وقع الإجماع على جوازه ، إلا أن يقوم الدليل على جواز الاستثناء من ذلك ، وهو ضعيف ، لأن ما وقع الإجماع على إجزائه ليس يلزم أن يكون شرطا في الصحة .

التالي السابق


الخدمات العلمية