الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين )

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أن هذا هو العلامة الثانية لقيام القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله : ( ويوم ينفخ في الصور ) ففيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنه شيء شبيه بالقرن ، وأن إسرافيل عليه السلام ينفخ فيه بإذن الله تعالى ، فإذا سمع الناس ذلك الصوت ، وهو في الشدة بحيث لا تحتمله طبائعهم يفزعون عنده ويصعقون ويموتون ، وهو كقوله تعالى : ( فإذا نقر في الناقور ) ( المدثر : 8 ) وهذا قول الأكثرين .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : يجوز أن يكون تمثيلا لدعاء الموت فإن خروجهم من قبورهم كخروج الجيش عند سماع صوت الآلة .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أن الصور جمع الصورة ، وجعلوا النفخ فيها نفخ الروح ، والأول أقرب لدلالة الظاهر عليه ، ولا مانع يمنع منه .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله : ( ففزع من في السماوات ومن في الأرض ) فاعلم أنه إنما قال : ( ففزع ) ، ولم يقل : فيفزع للإشعار بتحقيق الفزع وثبوته ، وأنه كائن لا محالة ؛ لأن الفعل الماضي يدل على وجود الفعل وكونه مقطوعا به ، والمراد فزعهم عند النفخة الأولى .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 189 ] أما قوله : ( إلا من شاء الله ) فالمراد إلا من ثبت الله قلبه من الملائكة ، قالوا : هم جبريل وميكائيل وإسرافيل ، وملك الموت ، وقيل : الشهداء ، وعن الضحاك : الحور ، وخزنة النار ، وحملة العرش . وعن جابر موسى منهم ؛ لأنه صعق مرة ، ومثله قوله تعالى : ( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) ( الزمر : 68 ) وليس فيه خبر مقطوع ، والكتاب إنما يدل على الجملة .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله : ( وكل أتوه داخرين ) فقرئ ( أتوه ) و ( أتاه ) ودخرين وداخرين ، فالجمع على المعنى ، والتوحيد على اللفظ ، والداخر والدخر : الصاغر ، وقيل : معنى الإتيان حضورهم الموقف بعد النفخة الثانية ، ويجوز أن يراد رجوعهم إلى أمر الله وانقيادهم له .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية