الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وحكمه الوضوء ) لا غسل ثوبه [ ص: 306 ] ونحوه ( لكل فرض ) اللام للوقت كما في - { لدلوك الشمس } - ( ثم يصلي ) به ( فيه فرضا ونفلا ) فدخل الواجب بالأولى ( فإذا خرج الوقت بطل ) أي : ظهر حدثه السابق ، حتى لو توضأ على الانقطاع ودام إلى خروجه لم يبطل بالخروج ما لم يطرأ حدث آخر أو يسيل كمسألة مسح خفه .

وأفاد أنه لو توضأ بعد الطلوع ولو لعيد أو ضحى لم يبطل إلا بخروج وقت الظهر .

( وإن سال على ثوبه ) فوق الدرهم ( جاز له أن لا يغسله إن كان لو غسله تنجس قبل الفراغ منها ) أي : الصلاة ( وإلا ) يتنجس قبل فراغه ( فلا ) يجوز ترك غسله ، هو المختار للفتوى ، [ ص: 307 ] وكذا مريض لا يبسط ثوبه إلا تنجس فورا له تركه

التالي السابق


( قوله : وحكمه ) أي : العذر أو صاحبه ( قوله : الوضوء ) أي : مع القدرة عليه وإلا فالتيمم ( قوله : لا غسل ثوبه ) أي : إن لم يفد كما يأتي [ ص: 306 ] متنا ( قوله : ونحوه ) كالبدن والمكان ط ( قوله : اللام للوقت ) أي : فالمعنى لوقت كل صلاة ، بقرينة قوله بعده فإذا خرج الوقت بطل ، فلا يجب لكل صلاة خلافا للشافعي أخذا من حديث { توضئي لكل صلاة } قال في الإمداد : وفي شرح مختصر الطحاوي روى أبو حنيفة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش : توضئي لوقت كل صلاة } ولا شك أنه محكم ; لأنه لا يحتمل غيره بخلاف حديث " لكل صلاة " فإن لفظ الصلاة شاع استعماله في لسان الشرع والعرف في وقتها فوجب حمله على المحكم وتمامه فيه .

( قوله : ثم يصلي به ) أي : بالوضوء فيه أي : في الوقت ( قوله : فرضا ) أي : أي فرض كان نهر أي : فرض الوقت أو غيره من الفوائت ( قوله : بالأولى ) ; لأنه إذا جاز له النفل وهو غير مطالب به يجوز له الواجب المطالب به بالأولى ، أفاده ح ، أو ; لأنه إذا جاز له الأعلى والأدنى يجوز الأوسط بالأولى ( قوله : فإذا خرج الوقت بطل ) أفاد أن الوضوء إنما يبطل بخروج الوقت فقط لا بدخوله خلافا لزفر ، ولا بكل منهما خلافا للثاني وتأتي ثمرة الخلاف ( قوله : أي : ظهر حدثه السابق ) أي : السابق على خروج الوقت .

وأفاد أنه لا تأثير للخروج في الانتقاض حقيقة ، وإنما الناقض هو الحدث السابق بشرط الخروج ، فالحدث محكوم بارتفاعه إلى غاية معلومة ، فيظهر عندها مقتصرا لا مستندا ، كما حققه في الفتح ( قوله : حتى لو توضأ إلخ ) تفريع على قوله أي : ظهر حدثه السابق ، فإن معناه أنه يظهر حدثه الذي قارن الوضوء أو الذي طرأ عليه بأن توضأ على السيلان أو وجد السيلان بعده في الوقت أي : فأما إذا توضأ على الانقطاع ودام إلى الخروج فلا حدث بل هو طهارة كاملة ، فلا يبطل بالخروج ( قوله : ما لم يطرأ إلخ ) أي : فإنه بعد الخروج لو طرأ أي : عرض له حدث آخر أو سال حدثه يبطل وضوءه بذلك الحدث ، فهو كالصحيح في ذلك فتدبر .

( قوله : كمسألة مسح خفه ) أي : التي قدمها في باب المسح على الخفين بقوله : إنه أي : المعذور يمسح في الوقت فقط إلا إذا توضأ ولبس على الانقطاع فكالصحيح . ا هـ . وقدمناه أنها رباعية ; لأنه إما أن يتوضأ ويلبس على الانقطاع أو يوجد الحدث مع الوضوء أو مع اللبس أو معهما ، فهو كالصحيح في الصورة الأولى فقط التي استثناها من المسح في الوقت فقط وهي المرادة هنا فلما كان حكم هذه المسألة معلوما حيث صرح فيها بأنه كالصحيح أي : إنه يمسح في الوقت وخارجه إلى انتهاء مدة المسح أراد أن يبين أن من توضأ على الانقطاع ودام إلى خروجه فهو كالصحيح أيضا ، فإذا خرج الوقت لا يبطل وضوءه ما لم يطرأ حدث آخر ، فتشبيه مسألة الوضوء بمسألة المسح من حيث إن كلا منهما حكمه كالصحيح .

وإن كان حكمهما مختلفا من حيث إنه في الأولى يبطل وضوءه بطرو الحدث بعد الوقت ولا يبطل مسحه بذلك في مدة المسح ; بمعنى أنه لا يلزمه نزع الخف والغسل بعد الوقت ، بخلاف الصور الثلاث من الرباعية فافهم ( قوله : وأفاد ) أي : بقوله فإذا خرج الوقت بطل ، فإن المراد به وقت الفرض لا المهمل ( قوله : لم يبطل إلا بخروج وقت الظهر ) أي : خلافا لزفر وأبي يوسف حيث أبطلاه بدخوله وإن توضأ قبل الطلوع بطل أيضا بالطلوع خلافا لزفر فقط لعدم الدخول ، وإن توضأ قبل العصر له بطل اتفاقا لوجود الخروج والدخول والأصل ما مر .

( قوله : هو المختار للفتوى ) وقيل لا يجب غسله أصلا ، وقيل : إن كان مقيدا [ ص: 307 ] بأن لا يصيبه مرة أخرى يجب . وإن كان يصيبه المرة بعد الأخرى فلا واختاره السرخسي بحر .

قلت : بل في البدائع أنه اختيار مشايخنا ، وهو الصحيح ا هـ فإن لم يمكن التوفيق بحمله على ما في المتن فهو أوسع على المعذورين ، ويؤيد التوفيق ما في الحلية عن الزاهدي عن البقالي : لو علمت المستحاضة أنها لو غسلته يبقى طاهرا إلى أن تصلي يجب بالإجماع .

وإن علمت أنه يعود نجسا غسلته عند أبي يوسف دون محمد ا هـ لكن فيها عن الزاهدي أيضا عن قاضي صدر أنه لو يبقى طاهرا إلى أن تفرغ من الصلاة ولا يبقى إلى أن يخرج الوقت ، فعندنا تصلي بدون غسله خلافا للشافعي ; لأن الرخصة عندنا مقدرة بخروج الوقت وعنده بالفراغ من الصلاة . ا هـ . لكن هذا قول ابن مقاتل الرازي فإنه يقول : يجب غسله في وقت كل صلاة قياسا على الوضوء . وأجاب عنه في البدائع بأن حكم الحدث عرفناه بالنص ونجاسة الثوب ليست في معناه فلا تلحق به ( قوله : وكذا مريض إلخ ) في الخلاصة مريض مجروح تحته ثياب نجسة ، إن كان بحال لا يبسط تحته شيء إلا تنجس من ساعته له أن يصلي على حاله ، وكذا لو لم يتنجس الثاني إلا أنه يزداد مرضه له أن يصلي فيه بحر من باب صلاة المريض .

والظاهر أن المراد بقوله " من ساعته " أن يتنجس نجاسة مانعة قبل الفراغ من الصلاة كما أشار إليه الشارح بقوله وكذا




الخدمات العلمية