الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 523 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يصح الاعتكاف إلا بالنية ; لقوله صلى الله عليه وسلم { إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى } ولأنه عبادة محضة فلم يصح من غير نية كالصوم والصلاة ، وإن كان الاعتكاف فرضا لزمه تعيين الفرض ليتميز عن التطوع ، فإن دخل في الاعتكاف ثم نوى الخروج منه ففيه وجهان : ( أحدهما ) يبطل ; لأنه قطع شرط صحته فأشبه إذا قطع نية الصلاة .

                                      ( والثاني ) لا يبطل ; لأنه قربة تتعلق بمكان فلا يخرج منها بنية الخروج كالحج ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وسبق بيانه واضحا في أول باب نية الوضوء ( وقوله ) عبادة محضة ، احتراز من العدة ونحوها مما قدمناه في نية الوضوء ( وقوله ) قربة تتعلق بمكان ، احتراز من الصيام والصلاة .

                                      ( أما الحكم ) فلا يصح الاعتكاف إلا بنية سواء المنذور وغيره ، سواء تعين زمانه أم لا ، فإن كان فرضا بالنذر لزمته ليتميز عن التطوع ، ثم إذا نوى الاعتكاف وأطلق كفاه ذلك ، وإن طال مكثه شهورا أو سنين ، فإن خرج من المسجد ثم عاد احتاج إلى استئناف النية ، سواء خرج لقضاء الحاجة أم لغيره ، لأن ما مضى عبادة تامة مستقلة ولم يتناول بنية منه غيرها فاشتراط الدخول الثاني نية أخرى ; لأنها عبادة أخرى ، قال المتولي وغيره : فلو عزم عند خروجه أن يقضي الحاجة ثم يعود كانت هذه العزيمة قائمة مقام النية . قال الرافعي هذا فيه نظر ; لأن اقتران النية بأول العبادة شرط ، فكيف يكتفي بعزيمة سابقة ؟ .

                                      ( قلت ) ووجه ما قاله المتولي وغيره وهو الصواب أنه لما أحدث النية عند إرادته الخروج صار كمن نوى المدتين بنية واحدة ، كما قال أصحابنا فيمن نوى صلاة النفل ركعتين ثم نوى في آخرها جعلها أربعا أو أكثر ، فإنه تصح صلاته أربعا بلا خلاف ويصير كمن نوى الأربع ، في أول دخوله ، والله أعلم .

                                      [ ص: 524 ] هذا كله إذا لم يعين زمنا ، فإن عينه بأن نوى الاعتكاف أول يوم أو شهر ففي اشتراط تجديد النية إذا خرج ثم عاد أربعة أوجه ( أصحها ) وبه قطع المتولي إن خرج لقضاء الحاجة ثم عاد لم يجب التجديد لأنه لا بد منه ، وإن خرج لغرض آخر اشترط التجديد سواء طال الزمان أم قصر ( والثاني ) إن طالت مدة الخروج اشترط التجديد وإلا فلا ، سواء خرج لقضاء الحاجة أم لغيره ( والثالث ) لا يشترط التجديد مطلقا ( والرابع ) وبه قطع البغوي إن خرج لأمر يقطع التتابع في الاعتكاف المتتابع اشترط التجديد ، وإن خرج لما لا يقطعه ولا بد منه كقضاء الحاجة والغسل للاحتلام لم يشترط ، وإن كان منه بد أو طال الزمان ففي اشتراط التجديد ، وجهان وهذه الأوجه جارية في اعتكاف التطوع وفيمن نذر أياما ولم يشترط فيها التتابع ثم دخل المسجد بقصد الوفاء بالنذر ، فأما إذا شرط التتابع أو كانت الأيام المنذورة متواصلة فسنذكر حكم تجديد النية فيها بعد ذكر ما يقطع الاعتكاف المتتابع ، وما لا يقطعه إن شاء الله تعالى . وإذا شرط في اعتكافه خروجه لشغل وقلنا بالمذهب : إنه يصح شرطه فخرج لذلك ثم عاد ، ففي وجوب تجديد النية وجهان حكاهما البغوي وغيره ( أصحهما ) على قياس ما سبق وجوب التجديد . أما إذا دخل في اعتكاف بالنية ثم قطع النية ونوى إبطاله فهل يبطل ؟ فيه الوجهان اللذان ذكرهما المصنف وغيره ( أصحهما ) على قياس ما سبق وجوب التجديد ، أما إذا دخل في اعتكاف بالنية ثم قطع النية ونوى إبطاله فهل يبطل ؟ فيه الوجهان اللذان ذكرهما المصنف ، وهما مشهوران ( أصحهما ) لا يبطل وقد سبق ذكر هذه المسألة مع نظائرها في باب نية الوضوء ثم في أول صفة الصلاة ، والله أعلم . .




                                      الخدمات العلمية