الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 533 ] وسئل رحمه الله عن رجل له إقطاع أرض يعمل له أربعمائة إردب فأعطى الفلاحين قوة تقارب مائتي إردب فيسجلوه بسبعمائة درهم فهل ذلك ربا ؟

                التالي السابق


                فأجاب : الحمد لله . كل قرض جر منفعة فهو ربا ; مثل أن يبايعه أو يؤاجره ويحابيه في المبايعة والمؤاجرة لأجل قرضه . قال النبي صلى الله عليه وسلم { لا يحل سلف وبيع } .

                فإنه إذا أقرضه مائة درهم وباعه سلعة تساوي مائة بمائة وخمسين كانت تلك الزيادة ربا . وكذلك إذا أقرضه مائة درهم واستأجره بدرهمين كل يوم أجرته تساوي ثلاثة ; بل ما يصنع كثير من المعلمين بصنائعهم يقرضونهم ليحابوهم في الأجرة فهو ربا .

                وكذلك إذا كانت الأرض أو الدار أو الحانوت تساوي أجرتها مائة درهم فأكراها بمائة وخمسين ; لأجل المائة التي أقرضها إياه فهو ربا .

                وأما " القوة " فليست قرضا محضا ; فإنه يشترط عليه فيها أن [ ص: 534 ] يبذرها في الأرض وإن كان عاملا وإن كان مستأجرا . فكأنه أجره أرضا يقويها بالأجرة المسماة فإذا انقضت الإجارة استرجع الأرض ونظيره القوة . وهذا فيه نزاع بين العلماء .

                منهم من يقول : المنفعة هنا مشتركة بين المقرض والمقرض : فإن المقرض له غرض في عمارة أرضه مثل " السفتجة " وهو أن يقرضه ببلد ليستوفي في بلد آخر فيربح المقرض خطر الطريق ومئونة الحمل ويربح المقرض منفعة الاقتراض .

                وكذلك " القوة " ليس مقصود المقوي يأخذ زيادة على قوته ; بل محتاج إلى إجارة أرضه وذلك محتاج إلى استئجارها فلا تتم مصلحتها إلا بقوة من المؤجر لحاجة المستأجر ، وفي التحقيق ليس المقصود بالقوة القرض بل تقويته بالبذر كما لو قواه بالبقر .

                ومنهم من يجعله من باب القرض الذي يجر منفعة إنما القوة من تمام منفعة الأرض كما لو كان مع الأرض بقر ليحرث عليها فيكون قد أجر أرضا وبقرا : فهذا جائز بلا ريب ولكن القوة نفسها لا تبقى ولكن يرجع في نظيرها كما يرجع في المضاربة في نظير رأس المال . فلهذا منع من منع من العلماء من ذلك ; لأن الإجارة ترجع نفس العين فيها إلى المؤجر والمستأجر قد استوفى المنفعة . ومثل هذا لا يجوز في [ ص: 535 ] القرض فإنه لا يجب فيه إلا رد المثل بلا زيادة .

                ولو أجره حنطة أو نحوها لينتفع بها ثم يرد إليه مثلها مع الأجرة : فهذا هو القرض المشروط فيه زيادة على المثل . وهذا النزاع إذا أكراه بقيمة المثل وأقرضه القوة ونحوها مما يستعين به المكتري كما لو أكراه حانوتا ليعمل فيه صناعة أو تجارة وأقرضه ما يقيم به صناعته أو تجارته .

                فأما إن أكراه بأكثر من قيمة المثل لأجل القرض فهذا لا خير فيه ; بل هو القرض الذي يجر الربا .




                الخدمات العلمية