الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( قال في الأم : وإن سكر فسد اعتكافه ثم قال : وإن ارتد ثم أسلم بنى على اعتكافه . واختلف أصحابنا فيه على ثلاثة طرق ( فمنهم ) من قال : لا يبطل فيهما ، لأنهما لم يخرجا من المسجد ، وتأول قوله في السكران على ما إذا سكر وأخرج أنه لا يجوز إقراره في المسجد إذا خرج ليقام عليه الحد ( ومنهم ) من قال : يبطل فيهما ; لأن [ ص: 547 ] السكران خرج عن أن يكون من أهل المقام في المسجد ، والمرتد خرج عن أن يكون من أهل العبادات ، وتأول قوله في المرتد على ما إذا ارتد في اعتكاف غير متتابع أنه يرجع ويتم ما بقي ( ومنهم ) من حمل المسألتين على ظاهرهما . فقال في السكران : يبطل ; لأنه ليس من أهل المقام في المسجد . لأنه لا يجوز إقراره فيه فصار كما لو خرج من المسجد ، والمرتد من أهل المقام فيه ; لأنه يجوز إقراره فيه ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذان النصان مشهوران كما ذكرهما المصنف والأصحاب . فيهما طرق متشعبة جمعهما الرافعي ونقحها . فقال في المسألة ستة طرق : ( أصحها ) بطلان اعتكاف السكران والمرتد جميعا بطرآن السكر والردة ; لأنهما أفحش من الخروج من المسجد وتأول هؤلاء نصه في السكران أنه في اعتكاف متتابع فينقطع ونصه في المرتد أنه اعتكاف غير متتابع فإذا أسلم بنى ; لأن الردة عندنا لا تحبط الأعمال إلا إذا مات مرتدا .

                                      ( والطريق الثاني ) لا يبطل فيهما ; لما ذكره المصنف .

                                      ( والثالث ) فيهما قولان .

                                      ( والرابع ) تقرير النصين وبطلانه في السكران دون المرتد ، وذكر المصنف الفرق وهذا الطريق هو الصحيح عند الشيخ أبي حامد وأصحابه ، ونقله صاحب الشامل عن أكثر الأصحاب .

                                      ( والخامس ) يبطل السكر لامتداد زمانه ، وكذا الردة إن طال زمنها ، وإن قصر بنى .

                                      ( والسادس ) يبطل بالردة دون السكر ; لأنه كاليوم بخلاف الردة لأنها تنافي العبادات . وهذا الطريق حكاهإمام الحرمين والغزالي . قال الرافعي : ولم يذكر غيرهما ، وممن صحح الطريق الأول وهو بطلان الاعتكاف فيهما القفال وإمام الحرمين والبغوي والمتولي وغيرهم ، ونقل الماوردي وغيره أن الشافعي أمر الربيع أن يضرب على مسألة المرتد ولا تقرأ عليه قال الماوردي : قال هذا الناقل عن الشافعي : مذهب الشافعي أنه يبطل الاعتكاف ; لأنها أفحش من السكر وأسوأ حالا . والله أعلم .

                                      قال الرافعي : وهذا الخلاف إنما هو في أنه هل يبطل ما مضى من اعتكافه قبل الردة والسكر ؟ ويجب استئنافه إذا كان معتكفا عن نذر متتابع ؟ أم يبقى صحيحا فيبنى عليه إذا زال السكر والردة ؟ فأما زمن الردة والسكر فلا يعتد به بلا خلاف . قال : وفي وجه شاذ يعتد [ ص: 548 ] بزمان السكر . قال : وأشار إمام الحرمين والغزالي إلى أن الخلاف في الاعتبار بزمان الردة والسكر ، والصواب ما سبق ، والله أعلم . قال الماوردي ( فإن قيل ) لم قلتم : إن الردة إذا طرأت في الصيام تبطله ؟ وفي الاعتكاف خلاف ؟ ( قلنا ) لأن الاعتكاف يتخلله ما ليس منه وهو الخروج لقضاء حاجة الإنسان وغير ذلك بخلاف الصيام ، والله أعلم . .




                                      الخدمات العلمية